اقترب مني. هاجني الخوف، خلت أنه سيحتل مكاني ويأخذ دوري، اقترب أكثر شعرت بأنفاسه، شد ملفي المكتظ بأوراقي البائسة والتي تبحث عن وظيفة لكن ترى ماذا يريد مني؟
حدق بي.. تزحزحت قليلاً، لكن تذكرت دوري منذ الصباح الباكر وأنا أقف في هذا الطابور الطويل، وعبارات التأفف والملل تحاك قربي وتتناثر زفرات القلق أمامي وخلفي..!
ابن الجيران؟ وإن كان لن أتنازل عن دوري له، لا.
همس في أذني بصوت مخنوق ولا يكاد يسمع:
- اخرج من هنا بسرعة..!
- ها.. ماذا تقول؟ وضع كفه على فمي ليمسك كلماتي، واستطرد:
- اسمعني جيداً، اخرج حالاً، الوقت يمضي، دقائق وسيحدث شيء ما، ثم صمت.
سحب ورقة من أوراقي وكتب عبارة واحدة.. اخرج سيتحول المكان إلى شيء آخر، سيتحول إلى ركام بعد دقائق معدودة اخرج حالاً.
سحب نفسه بقوة وهرول، وعيني تدور وتتابع مشيته.
تساءلت بسرعة مع زيادة نبضات قلبي والعين الفزعة.
- ماذا يقصد؟ آه أترك مكاني!! ولماذا؟
فكرت بسرعة وتذكرت الشفقة التي طلت من عينيه، جعلتني أضحي بدوري وانتظاري وضياع ساعات يومي.
مشيت، ومشيت بحذر وأنا أجر قدمي، وما أن اقتربت من نهاية الممر حتى دلفت قدمي اليمنى الباب الخارجي، وقتئذ سمعت دوي صوت مزعج هزّ المكان هزاً عنيفاً، أيقنت عندها أن سلسلة الرجال في ذلك الطابور الطويل قد تبعثرت وقد تلاشى كل شيء.
في الغد عندما أحضر أبي الخبز وبعضاً من الجرائد اليومية رأيت صورته تتصدر صفحات الجرائد جميعها تندد بما حدث وتطالب به حياً أو ميتاً.