كتب الأخ الصديق عبدالله السمطي مداخلة تثير الاهتمام والتساؤل في الوقت نفسه إن لم يكن العتاب. كان ذلك في معرض رده على مقال للأستاذة سهام القحطاني نُشر في المجلة الثقافية الصادرة عن جريدة الجزيرة (عدد 231) 28يناير 2008م ونشر السمطي رده في في المجلة نفسها (عدد 233) 11 فبراير 2008م.
كانت مقالة القحطاني عن المثقف الغربي الوافد ومساهمته محلياً في إثراء ثقافاتنا في المملكة العربية السعودية، وقد أثارت الكاتبة بعض القضايا وبعض الآراء التي يمكن الجدال حولها ولا أنوي هنا مناقشة ما جاء في مقالة القحطاني إلا ما يأتي عرضاً حين أتطرق لكلام السمطي.
يجب أن أؤكد أولاً أن الأخ السمطي متابع جيد ودارس مثابر للأدب السعودي، كما أنه مثير للاهتمام فيما يطرحه من رؤى وتحليلات، وهو من الفاعلين في الوسط الثقافي كتابة وتحريراً وحضوراً لافتاً ومستمراً، وبيني وبينه من الود ما لا أخفيه وما لا ينكره وهذا هو دافعي للتحاور معه هنا.
لتبدأ بما حاول السمطي أن ينفيه في تعقيبه على القحطاني ثم عاد فأكده في نهاية كلامه. لخص السمطي عدة نقاط أوردتها القحطاني، واحدة منها تقول: (توجد عقدة لدى المثقف الوافد تتمثل في الغربة وانتقامه من مكان الغربة، كما أنه يتسم بالفوقية)، ثم لنقرأ ما يقوله السمطي نفسه عن الوافد العربي، يقول: (يحدث للوافد نوعاً من الاغتراب المنهجي والمصطلحي إذ إنه يجد نفسه محاصراً بقضايا ثقافية انتهت منذ زمن بعيد في بلده، وهذا يمثل مأزقاً فكرياً كبيراً بالنسبة له، يجعله في صراع بين متطلبات العمل وبين رؤيته الثقافية).
وإذا تجاوزنا عبارة الاغتراب المنهجي والمصطلحي التي لا أعرف ما يقصد بها، وتوقفنا عند مقولاته الأقل تعقيداً لا بد لنا أن نتساءل: ما هذا يا عبدالله؟ قضايا ثقافية انتهت، مأزق فكري، صراع..أهذه حقاً حال (المثقف العربي في المملكة وكأن المملكة قد تحولت إلى بيئة للأمراض النفسية تتلبس كل مثقف عربي قادم لهذه البلاد).. لنقف أيضاً عند عبارات مشابهة للسمطي جاءت قبل حكمه السابق يقول: (.. وبسبب طبيعة المجتمع السعودي نفسه الذي لا يقبل التغيير بسهولة، فضلاً عن أن المفاهيم الثقافية في المملكة مازالت أسيرة التقليد والمحافظة بمعنى أن ما يتم طرحه ومناقشته في الثقافات العربية الأخرى - أتحدث عن المصرية تمثيلاً- يختلف تماماً عما يطرح هنا بسبب من مجاوزة هذه الثقافة لكثير مما يطرح على مستوى الخطاب الأدبي والنقدي والشعري، أعني أن الثقافة السعودية ثقافة فنية ما زالت تتلمس خطواتها بحذر صوب مفاهيم ما بعد الحداثة).
في ظني أن الأخ عبدالله لو أعاد النظر في عباراته لشَعَر أن الصواب قد جانبه في الكثير مما قاله، وأن مثل هذه المسائل لا يحكم عليها بهذا الأسلوب أو بهذه النظرة. هل واقع الثقافة والمجتمع في المملكة كما يصفه، ثقافة تقليدية تجاوزتها ثقافات عربية أخرى؟
إن مثل هذه الأحكام وبهذه الصورة لا يمكن أن تندرج أو تستند على منهج علمي، لذا لا أظنني أحتاج لأن أدافع عن الأدب والثقافة في المملكة، فأخواننا وأساتذتنا العرب يعرفوننا جيداً ويعرفون المستوى الذي وصلت إليه الثقافة، كما أن الجدال حول ذلك لا يمكن أن يكون ذا جدوى، في وقت نعتبر فيه أن الأدب العربي أدب واحد أينما وجد بسبب اللغة والتواصل بين أبناء البلاد العربية وشيوع الكتاب العربي أياً كان مصدره.
إن في كلام السمطي من التناقض والتباين ما هو ظاهر، فهو في معرض نفيه لصفة (الفوقية) عن إخواننا العرب وأن أتفق معه في ذلك، يلصق صفة الفوقية به هو فما يقوله في السطور السابقة لا يمكن أن يأول أو يُفهم إلا تحت مسمى (الفوقية).
تطرق الأخ السمطي لموضوع المحافظة مرة أخرى حيث يصف بالمحافظة: (أغلب أساتذة الجامعات الوافدين العرب) ويرجع ذلك كما يقول إلى (لجان التعاقد وأنها تحرص على ألا تتعاقد إلا مع أساتذة محافظين جداً ممن ليس لهم إسهام كبير في ثقافتهم الوطنية أو في المشاركة في تحولاتها الإبداعية والثقافية) ومع أن هذا الكلام خطأ يمكن تفنيده بسهولة إلا أننا لا نحتاج إلى ذلك فالأخ السمطي يرد على نفسه بنفسه كالعادة حيث يقول: (إن معظم هؤلاء الأكاديميين لا يعطى الفرصة كاملة للإبداع الثقافي والمشاركة بفعالية في المشهد الثقافي) كيف يمكن التوفيق بين قوله إن هؤلاء الأكاديميين محافظون وليس لهم أي فعل في ثقافة بلادهم، وبين قوله إنهم لم يعطوا الفرصة للمشاركة في المملكة؟
إن الواقع يجعل كلا الحكمين خاطئ جدا، فمعظم من يأتي إلينا فاعلون في بلادهم وفاعلون في بلادنا ولا يتطلب الأمر مني أن أسرد للأخ السمطي أسماء من أثروا ساحات الجامعات السعودية من إخواننا العرب وشاركوا في الحراك الثقافي كتابة وعلى المنابر، أما مسألة المجاملة التي أشار إليها السمطي فهي شائعة حتى بين الكتاب السعوديين أنفسهم، ولا يجب أن نجعلها قضية مهمة لأنها محدودة.
يعود السمطي للحكم على الثقافة السعودية بأنها: (على الأغلب لا تقبل الآخر سواء أكان عربياً أم غربياً، وأن ثمة شكوك وهواجس، ثمة خوف من المصارحة وخوف وغضب من النقد).
وهذا تصور غريب وغير صحيح لدى السمطي عن الثقافة في المملكة وهو الذي يعيشها ويساهم فيها لفترة طويلة، ويمارس حقه في الكتابة والتأليف بكل الترحيب ومع ذلك يتحدث عن شكوك وهواجس ويعود إلى ما أسماه قبل ذلك مأزقاً فكرياً، عندما نختلف معك أنت ككاتب عربي لا يعني ذلك عدم قبولك، ولا يصدر الاختلاف عن حالة مرضية: (شكوك وهواجس) هو اختلاف نتيجة اختلاف وجهات النظر مثله مثل أي اختلاف بين أبناء البلد الواحد.