(إنسكلوبيديا) الكتّاب الأمريكان، في طبعتها الثالثة، تعرف (النوفيلّلا) بأنها:
(الرواية القصيرة المكتوبة ب 30000 - 50000 كلمة، والتي تطبعها عادة مؤسسات النشر الصغيرة، مثل روايتي (بيلي بد) و(الشيخ والبحر))، و(النوفيلّلا) هي: (مصطلح ايطالي الأصل يوصّف قصة طويلة)، وبذلك حصرت كم الكلمات هذا بين (قصة طويلة) و(رواية قصيرة)، تقع في (120 - 200) صفحة، بمعدل (250) كلمة للصفحة الواحدة، وما زاد على هذا الكم يعد رواية حسب التوصيف الأمريكي المتطابق مع التوصيف الأوربي لعالم الرواية.
مؤخرا وصلتني مجموعة من (الروايات!!)، منها (اعترافات امرأة تائبة) لسمير الششتاوي، التي أسقطها الناشر (مركز العدالة للمحاماة والاستشارات القانونية) على (165) صفحة، حملت كل منها ما معدله (75) كلمة فقط!!. فجرّتني قواعد كتابة الرواية إلى الضرب والجمع والطرح والقسمة، حتى وجدت ان هذه (الرواية) لا تتجاوز في أفضل حالاتها الـ(13000) كلمة كان يمكن نشرها في (52) صفحة لا غير!!.
ولا أريد الخوض في علاقة (مركز العدالة للمحاماة) بنشر الأدب، وجودة أو عدم جودة النص المنشور، بل أردت الخوض في عملية المطّ و(العطّ) التي نالها نصّ، دخل من باب (الاستشارات القانونية) قصّة فأحتجز في (مركز العدالة) بتهمة انتحال لقب (رواية) كما جاء على الغلاف!! كما أردت الخوض في مسألة أكثر حساسية وأهمية من عملية النشر والتأليف على سؤال يطرح نفسه بحرارة في هذه الأيام العربية الساخنة وهو:
أهي أزمة ناشر لا يجد روايات فيوصف الأرانب بعيرات، أم (انتفاخة) كاتب يمطّ قامته إلى (رتبة) أعلى في عالم الأدب ؟!.
ليس عيبا أن يتعاطى المبدع كتابة القصة، قصيرة أو طويلة يمكن أن تسمّى (رواية قصيرة) أبرز نجاحاتها (الشيخ والبحر) لأرنست همنغواي، ولكن العيب الفاقع على مؤلف وناشر معا يخدعان القارئ بأن الكتاب الذي بين يديه هو: (رواية)، أصلها ونسبها الصحيح قصة طويلة أو (رواية قصيرة) في أفضل الحالات، شاء لها الناشر أن تباع على رفّ (رواية) (نفخ فيها) المؤلف حلم الإدعاء بما ليس عنده، فصار: (روائيا)!!. (بابل مفتاح العالم) عنوان (رواية) أخرى صدرت عن دار (ميريت) المصرية لكاتبها (نائل الطوخي)، وقعت في (73) صفحة بما معدله (21000) كلمة، وجاءت هي الأخرى، وبعيدا عن مسألة الجودة الفنية من عدمها، دون التوصيف العالمي الكمّي حتى (للنوفيلّلا) في العالم الذي نسمّيه رغما عنا (بالمتحضر): أميركا وأوروبا، بوصفهما الناشر الأكبر في العالم والقائد بلا منازع لسوق الأدب العالمي، ومنه العربي بطبيعة الحال.
إذن، بين ناشر، لا علاقة له بالأدب، مثل (مركز العدالة للمحاماة والاستشارات القانونية) الذي اصدر (اعترافات امرأة تائبة)، وبين ناشر مثل دار (ميريت) المصرية التي نالت شهرة لا بأس بها في الساحة الثقافية العربية يجد القارئ المهتم بالقصة والرواية نفسه واقعا بين حدّ: التجهيل المتعمّد من ناشر ومؤلف بشروط وأساسيات التوصيف والكتابة معا، وبين حدّ: الغش التجاري البحت في توصيف قصة طويلة على أنها (رواية) لابدّ من دفع ثمن كتاب كامل عنها.
ولا تتوقف المصيبة عند حدود مؤلف ينفخ منتوجه على وصف مستعار، وناشر يستسذج نفسه على الظن أنه استسذج القارئ في آن، بل وتصل المصيبة إلى حدود: جداول الإحصاءات الثقافية العربية التي تصدرها مؤسسات معنية بوجه الثقافة في عالمنا، والتي تتوهّم هي الأخرى على عدّ قصة، قصيرة أو طويلة، على أنها (رواية)، فيظهر عالمنا الروائي هو الآخر منفوخا بما ليس فيه إزاء قياسات العالم الصحيحة والسليمة للرواية!!.
ولله في أمر (روائيينا) ودور نشرنا من هذا النمط.. شؤون أولها مطّ وآخرها..؟!.
* روائي عراقي مقيم في أميركا
jarraseef@yahoo.com