Culture Magazine Monday  24/03/2008 G Issue 240
فضاءات
الأثنين 16 ,ربيع الاول 1429   العدد  240
 

أول كتاب«1»
د. ملكة أبيض

 

 

كتابي الأول من حيث زمن الصدور هو (التربية والثقافة العربية - الإسلامية في الشام والجزيرة في القرون الثلاثة الأولى للهجرة).

هذا الكتاب هو نص الرسالة التي أهلتني للحصول على دكتوراه الدولة من جامعة ليون الثانية بفرنسا عام 1978م، بدرجة مشرف جداً بالإجماع، بالإضافة إلى منحة لطباعته باللغة الفرنسية، وهي اللغة الأصلية التي كتب بها. وقد صدر الكتاب بالفرنسية عام 1981م، عن ما كان يسمى المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، ويسمى حالياً المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.

على أني استبقت ذلك، وترجمت الرسالة إلى العربية فور انتهائي من مناقشتها، ودفعتها إلى دار العلم للملايين ببيروت، فصدر الكتاب بالعربية عام 1980م. وهكذا فإن عمر الكتاب يزيد الآن على ربع قرن، وقد ألفت بعده الكثير، ولكنه لا يزال يحتل المكانة الأولى في نفسي.

لقد بدأ مشروع الكتاب حين حصلت على الماجستير في التربية من الجامعة الأمريكية في بيروت، وقررت الاختصاص في تاريخ التربية العربية - الإسلامية.

وكان اهتمامي ينصب، على الأخص، على التربية العربية - الإسلامية في بلاد الشام، وأعلامها، ومناهجها، وطرائقها.. وباختصار، على نشوء نظام التربية العربية - الإسلامية، ذلك النظام الذي حوّل الثقافة في هذه المنطقة من السريانية - اليونانية، إلى العربية - الإسلامية، بالإضافة طبعاً إلى عوامل أخرى، مثل القرار السياسي الذي اتخذه الخليفة عبدالملك بن مروان بتعريب الدواوين، والاهتمام الذي بدأه خالد بن زيد بتعريب العلوم القديمة، واستمر في العهود التالية.

لقد قادني السؤال والبحث حينئذ إلى المعهد الفرنسي للدراسات العربية، حيث عرفت أن مديره السابق الدكتور نيكيتا إيليسيف متخصص في تاريخ المشرق الإسلامي في العصر الوسيط، وأنه يأتي إلى دمشق أستاذاً زائراً لجامعتها مرتين في العام. فالتقيت به في عام 1972م وشرحت له اهتمامي. فاقترح عليّ الرجوع إلى مخطوط (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر (ت 571هـ - 1176م)، الذي يضم معلومات وفيرة حول هذه الفترة، وتفضل بقبول الإشراف على رسالة أعدها في هذا الموضوع للحصول على الدكتوراه من الجامعة التي يعمل فيها.

كان المخطوط الذي يقع في 17 مجلدة و16 ألف صفحة من الصفحات الصفراء القديمة الكبيرة يحفظ في المكتبة الظاهرية بدمشق، داخل السوق القديم، بجوار الجامع الأموي، ولم يكن محققاً ومطبوعاً منه إلا المجلدة الأولى. أما الباقي فكان ما يزال مخطوطاً في نسختين مختلفتين من حيث التاريخ والخط. مما جعلني أتردد في أيام فراغي على المكتبة الظاهرية ثلاث سنوات كاملة، لقراءة المخطوط، وتسجيل المعطيات المفيدة في البحث. فكنت أغادر المنزل في الثامنة صباحاً مع أوراقي وشطيرتي وفنجان الشاي الساخن، وأعمل حتى موعد إغلاق المكتبة في المساء.

وهذه الفترة المسائية هي كل ما كان يبقى لديّ لعملي المنزلي، ورعاية الأسرة، وإعداد محاضراتي الجامعية، لأني كنت قد بدأت التدريس في الجامعة بعد حصولي على الماجستير.. أضف إلى ذلك أن حرب تشرين 1973م وقعت خلال تلك الفترة، وجرى نقل المخطوطات الأصلية إلى مكان أمين، فكنت أضطر أثناءها إلى مغادرة المنزل بالرغم من الغارات، والعامل على صور مجتزأة للمخطوطات، لم يكن التعامل معها سهلاً على الإطلاق.

هذه هي الصعوبة الأولى التي واجهتها وهي صعوبة مادية -كما رأينا- فماذا عن الصعوبات الأخرى؟

هناك صعوبات تتعلق بتحديد مكان الدراسة وزمانها وموضوعها لكي أتمكن من جمع المعلومات اللازمة.

ففي سبيل تحديد المكان، من المعروف أن الدولة العربية - الإسلامية، كانت ما تزال في مرحلة توسع، ولم تكن هناك حدود دقيقة تفصل بين بلد وآخر. وأما الولايات فكان يرمز إليها في معظم الأحيان بالعواصم: دمشق، البصرة، الكوفة، المدينة.. إلخ. لذلك استندت في تحديد الإطار الجغرافي للدراسة إلى المفهوم السائد في (تاريخ مدينة دمشق) حول نواحي هذه المدينة، وتبين أنه يضم الحدود المعروفة قديماً لبلاد الشام، من بالس إلى العريش طولاً، من جبلي طيء إلى بحر الروم عرضاً، كما يضم منطقة الجزيرة التي تؤلف القسم العلوي من بلاد ما بين النهرين، ومنطقة الثغور الشمالية التي تجاوزت جبال طوروس في بعض الأوقات، ودومة الجندل في شمال الجزيرة العربية.

أما الإطار الزمني فمن الطبيعي أن يبدأ مع الفتح العربي - الإسلامي. ورأيت إيقافه عند بداية القرن الرابع الهجري، لأهمية هذه الفترة في وضع أسس التربية - العربية الإسلامية، ونقص المعلومات حولها في الكتب المتداولة في هذا المجال. وقد توقفت عند بداية القرن الرابع لأنه يفتتح عهد التجزئة في الشام على الصعيد السياسي ويدخل متغيرات تتطلب دراسة مستقلة.

وفي سبيل تحديد الموضوع، أخذت بالحسبان أن الثقافة العربية الإسلامية لم يكن بمقدورها أن تنتج خلال القرون الثلاثة الأولى نظاماً للتعليم يضم مؤسسات تربوية متميزة محددة. ذلك أن الشواهد والأخبار التي يقدمها المرجع فيما يتعلق بهذه الفترة، لا يمكن أن تكتسب أهمية علمية، إلا إذا نظرنا إلى التربية بمفهوم موسع يقول: إن التربية هي جميع الوسائل التي تنقل النماذج الثقافية إلى الأفراد. ويعني ذلك أن الدراسة في تاريخ التربية يجب ألا تقتصر على المؤسسات المدرسية، بل إن عليها أن تعطي الأهمية نفسها لجميع الظروف التي يتم فيها الاتصال بين الفرد ومحيطه، كالاجتماعات والأسواق والقوافل التجارية والحملات العسكرية وغيرها، ولجميع أشكال الاتصال كالرواية والوعظ والمذاكرة والمناظرة، والرسائل، وتسجيل الملاحظات، وغيرها. كما يجب أن تفحص النماذج التي أكسبت تربية ما طابعها الخاص، والتصورات التي كونتها جماعة ما عن الكون والحياة والدين والسياسة وغيرها من الموضوعات التي تهم الجماعات البشرية في جميع العصور. وهذه المعلومات متوافرة إلى حد بعيد في كتب التراجم، ومنها تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر. وربما كان تاريخ ابن عساكر من أهم هذه الكتب.

هنا نصل إلى الصعوبة المتصلة باختيار طريقة البحث.

فقد اتسمت الدراسات التاريخية -في الماضي- بالاعتماد على الرواية، تلك الطريقة التي يؤخذ عليها أنها ذاتية تتأثر بشخص الراوي، وانتماءاته وولاءاته، ومدى قربه من الأحداث وبعده عنها.. إلخ. على أن المؤرخين المعاصرين حققوا تقدماً مرضياً في تطبيق الطرائق الكمية التي يستعين بها علماء الاجتماع بغية معالجة الكمية الكبيرة من المعلومات التي يستخدمونها في بحوثهم وإضفاء قدر من الموضوعية عليها. وقد ظهرت محاولات لتطبيق هذه الطرائق في الدراسات الإسلامية. لذلك عملت على تكييف هذه الطرائق مع المادة الغزيرة التي يحفل بها مرجعي، وكانت تلك أصعب الخطوات وأكثرها عطاء، لذلك سأتوقف عندها بعض الشيء.

ذلك أن هذا المرجع الضخم الذي يقع في نطاق أدب التراجم، يضم أكثر من خمسة آلاف علم ينتمون إلى معظم ميادين الحياة الثقافية، ويشتملون على من استقر في الشام وعاش فيها، ولنسمهم (أهل الشام)، ومن مرّ بها فدرس أو درّس، ولنسمهم (زوار الشام). وترجمات هؤلاء وأولئك تختلف من حيث الطول والمحتوى. لذلك حرصت على وضع دليل لجمع المعلومات يشتمل على البيانات الأساسية أو المعلومات الخاصة بالأعلام والتي تساعد على تصنيفهم، والمعلومات العامة ذات العلاقة بالجوانب التربوية.

وتشتمل المعلومات الخاصة على:

الاسم والشهرة، الانتماء القومي أو القبلي، الصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، الانتماء الجغرافي، العمل أو المهنة، العلاقة بالشام أو الجزيرة، الدراسة (أسلوبها، مكانها، المرحلة)، المعلمون الذي درس عل يديهم والطلبة الذين درّسهم، مواد الدراسة، النشاط والإنتاج التربوي، المذهب والمعتقد، الصفات التي ذكرت عنه ومن ذكرها، تاريخ الوفاة وتاريخ الولادة (في حال وجودهما).

أما المعلومات العامة فتشتمل على:

أهداف التعليم - أهمية العلم - تمويل التعليم - المواد الدراسية - القيم والقواعد الخلقية - أماكن التعليم (المدارس، المساجد، المكتبات، القصور، البيوت، حوانيت الورّاقين...) - طرائق التعليم والكتب التي تستخدم فيها - مراكز الثقافة العربية - الإسلامية - المشكلات والقضايا التي تشغل رجال الفكر - الاتجاهات الدينية والفلسفية.

على هدي هذا الدليل، قمت بقراءة المرجع وسجلت المعطيات على بطاقات عادية أولاً، ثم رتبت التراجم ترتيباً زمنياً (بعزل الأشخاص الذين عاشوا وعملوا في القرون الثلاثة الأولى قرناً بعد قرن). ولم يكن ذلك سهلاً لأن أكثر التراجم لا تذكر تاريخ ولادة الشخص أو وفاته؛ مما جعلني أستعين بمعاجم أخرى قديمة وحديثة، وفي الأحوال السلبية، كنت أضطر لتقدير الزمن بالاستناد إلى حياة أشخاص آخرين كانوا على صلة بهذا العلم، أو كان على صلة بهم.

ولدى الانتهاء من هذا العمل استطعت إجراء ترتيب هجائي زمني في الوقت نفسه يحصر الذين ينتمون لقرن واحد في صندوق خاص، ويرتبهم هجائياً ضمن نفس الصندوق.

وبعد عزل أعلام القرون الثلاثة الأولى، أصبح من الممكن إجراء تصنيف للمعلومات الواردة في تراجمهم يفرد كل عنصر على حدة. وهذا مثال لأحد الجداول مقتطف (من ص 68-69 من الكتاب).

في هذه المرحلة انتقلت إلى علاج المعلومات. وقد تم ذلك بحسب طبيعة هذه المعلومات. فمنها ما عولج كيفياً، ومنها ما عولج كمياً.

والعناصر التي عولجت كيفياً، أي بنقل المعلومات الواردة في المرجع هي: أهداف التربية - مراحل التعليم - التعليم الابتدائي - التعليم العالي - مواد الدراسة.

والعناصر التي عولجت كميا هي:

بالنسبة لأهل الشام: الانتماء الجغرافي - الانتماء القومي والقبلي - المهنة - الجنس - موضوع الدراسة ومكانها - فئات المعلمين - الرحلة في طلب العلم.

بالنسبة لزائري الشام: الانتماء الجغرافي، دوافع الزيارة، الرحلة في طلب العلم.

- دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة