Culture Magazine Monday  04/02/2008 G Issue 232
فضاءات
الأثنين 27 ,محرم 1429   العدد  232
 

عندما يستشعرُ (الفرَج) همومَ الأمة!! «2-2»
د. أحمد عبد الملك

 

 

ونلاحظ القيم التي انتقدها الشاعر كالتظاهر بالدين وبيع الضمائر وإخفاء الإنسان ما يجهر، والكفر بالابتسامة. كما نلاحظ وطنية الشاعر كونه ينتقد المخبرين الذين يتعاونون مع الأنجليز ضد اخوانهم.

ويتناول الشاعر حال الزعماء العرب في قصيدة ألقاها في النادي الأدبي بالبحرين عام 1345 هجرية؛ يقول:

أنا شاعرٌ لكن ببؤس بلادي

أفؤادُكم ياقومُ مثلُ فؤادي

ياقومُ هل من ناظر فأريه ما

فيها، وهل من سامع فأنادي؟

زعماؤنا متخاذلون لجهلهم

والكل للثاني من الأضدادي

والعالمون حديثهم بعلومهم

وصفُ المآكل من لذيذ الزاد

قد قاوموا روحَ الهدى بسلاحهم

يرمون ذا الإصلاح بالإلحاد

وإذا ابنُ هذا العصر جاء مفاخراً

بعلاهُ فاخرناه ُ بالأجداد

ونلاحظ هنا أن الشاعر ينتقد حال الزعماء العرب المتخاذلون مع المستعمر؛ كما أنهم ضد بعضهم، كما أن المجتمع يرمي المصلحين بالإلحاد - وهذه السجية موجودة حتى هذا اليوم، فكم من المصلحين قد أقصوهم لمطالبتهم بالإصلاح. كما أن الشاعر ينتقد خصلة سلبية من خصال العرب وهي المفاخرة بالأجداد، وهذه أيضاً من (السجايا) التي ما زالت موجودة بيننا، وللأسف فإن بعض مثقفي الأمة ومن يظهرون في وسائل الإعلام يروجون لثقافة الماضي؛ لأنهم غير قادرين على مقارعة الآخرين علمهم أو قوة حجتهم. ولهذا فإن التندر بأن العرب أهل (كان وأخواتها) ينطبق هنا!

وفي الجزء الرابع يتحدث الشاعر عن شخصيات مؤثرة في حياة الأمة؛ ويبدأ بقصيدة باسم (المهاتما) ويعني به الزعيم الهندي ( موهنداس غاندي) قائد بلاده نحو الاستقلال عبر المقاومة السلمية؛ وقيلت القصيدة عام 1922 أيام جهاد غاندي ضد الإنجليز. يقول :

يتحدى القُوى الكبيرة َ بالروح

فيعنو لأمره كلُ هام ِ

بسلاح من التقشف والزهد

ويرمي قنابلاً من صيام ِ

ليت شعري أعصرُنا ذا اختراعي

تعدّى الجماد للأجسام ِ

فأتانا بكل أعجوبة منه

تراها العقول كالأحلام ِ

وهنا يشير إلى فلسفة المقاومة عند (غاندي) حيث وحد الهند وهزم الأنجليز بالمقاومة السلمية والصوم.

كما يرثي الشاعر الزعيم البحريني المجاهد عبدالوهاب بن حجي الزياني الذي توفي منفياً في بومباي عام 1343 هجرية؛ يقول الشاعر:

بطلَ الجهاد ضحية الأوطان ِ

لك في الشهادة رتبة الرضوان ِ

لا تبعدّن وإن نأى بك مضجعٌ

فالبعد في القلب الصفي تداني

وإن مِتَّ مُبتعداً فذكرك خالد

متجدد ٌ بتجدد الأزمان ِ

خفقت لنعيك في (أوال) ضمائر

فوق الخدود أسلن دمعاً قاني

وكأنما أسلاك ُ نعيك كهربت

تلك القلوب بهزة الخفقان

أوال ويعني بها البحرين. ونلاحظ فلسفة النأي والبعد المتضادة؛ حيث أن البعد والهجران يقوي الحب.. وأستذكر هنا أغنية لأحد الفنانين الخليجين يقول فيها: الحب يكبر بالفراق ويزيد..

كما يرثي أمين الرافعي الذي كان ينشر مايفعله الإنجليز في البحرين ضد الشعب حتى منعت جريدته من دخول البحرين.. يقول في نهاية القصيدة:

يا (أمين الشرق) ودَّعتَ فهل

بعدك اسخلفت للمظلوم بابا

هل لنا من ملجأٍ أو موئل ٍ

إن دعا المظلوم لبّى وأجابا

ومحام عن حقوق هُضمت

يُفقدُ الأعداءَ -إن هبَ- الصوابا

يُقرع الحجة َ بالحجة لا

يجعل البرهان شتماً وسبابا

سوف نبقى مثلما علمتنا

لحقوق الشرق لا نألوا طِلابا

كما يسترسل الشاعر في نعي الكثيرين من قومه مثل : رجب النقيب أحد زعماء العراق الذي سجنه الإنجليز ونفوه إلى (سيلان) ولم يطلقوا سراحه إلا بعد مدة وقد توفي في سويسرا. كما يتطرق الشاعر إلى بعض الشخصيات السياسية العالمية مثل : موسوليني وهتلر وماك أثر وتيتو؛ ويقول في هذا الأخير:

بوركت يا (تيتو) فعشّ

ودع التشيّعَ للشيوع ِ

وارجع إلى دين المسيح

لتستحق رضى الجميع ِ

فعساك أن تأخذ للصليب

الثأرَ من جرم فظيع ِ

أو تنقد الحرم المقدس َ

من دماءٍ في دموع ِ

بالطبع نحن ندرك أن (تيتو) كان من الزعماء الذين أسسوا رابطة عدم الانحياز وكان مدافعاً عن القضايا العربية؛ وكان يوغوسلافيا تحت الحكم الشيوعي، لكن ذلك لم يمنع من أن يتصادق تيتو مع عبدالناصر ونهرو وزعماء التحرر الوطني في العالم.

وهذه القصائد تنبئ عن مدى سعة أفق الشاعر وثقافته الواسعة التي تتعدى حدود شبه الجزيرة أو الخليج رغم شح المعلومات وقلة الاتصالات آنذك.

الفصل الخامس: شؤون دولية وعربية؛ حيث يبدأ الفصل بميثاق السلام - عن مؤتمر باريس في تموز 1928؛ ثم قصيدة بعنوان (عيد بلفور) التي قالها بسبب الحوادث بين العرب واليهود. وقصيدة ( الجابان ) ويعني بها (اليابان) حيث حطم اليابانيون في (توشيما) الاسطول الروسي عام 1904 ميلادية، وكذلك قذف الأمريكيون مدينة (هيروشيما) بالقنبلة الذرية؛ حيث استسلمت اليابان بعدها. يبدأ القصيدة :

يا يوم ( توشيما) عزاءً

من رزايا (هيروشيما)

تالله لولاها لأصبح

نصرُكم نصراً عظيما

حطمتوا أسطولَهُ

وسفينة صارت حطيما

وغدت (أبابيل) الوغى

تنقضُّ فوقهم رجوما

ولعل القارئ يلاحظ أن الشاعر استخدم لفظ (حطمتوا) بدلا من (حطمتم) القريب من العامية! ولم يشرح الشارح هذا التوجه. كما نلاحظ استعارة الشاعر لطير الأبابيل التي وردت في القرآن الكريم كي يصف الطائرات اليابانية المعروفة بطلعات (الكاميكاز) الانتحارية على السفن الأميريكية. وكذلك اللفظ (رجوماَ) التي وردت في رجم الشياطين في القرآن الكريم.

وهنالك قصائد متفرقة عن فلسطين - ميثاق الأطلنطي - لوزان - حقوق الإنسان - كوريا - الجامعة العربية. ولقد أعجبتني قصيدة الجامعة العربية.. يقول فيها :

عقدت ِاجتماعَك ياجامعة

فهل أنت ِ مُبصرةٌ سامعة

سئمنا الكلام فهل من فعال

فإن الأعادي بنا طامعة

أسّبعٌ عجائبُ هذا الزمان

نزلنا إلى درك (السابعة)

كفانا ولائمُ فيها الدسوم

تمُصٌّ من الأمة الجائعة

كفانا أحاديث لا تنتهي

كفانا وعوُدكم المائعة

كفانا خنوعٌ وها أنتم

ملايينُ في رقعة واسعة

ولعل حال اليوم ليس بأفضل من الحال أيام الشاعر. فالجامعة العربية ( تهش ولاتنش) وهي مُغيبة عن القرار الذي تتلاعب به الدول. ولانسمع إلا عن تعيينات في الجامعة ومناصب وميزانيات تدفعها بعض الدول؟؟؟!

ويستمر الشاعر في توجيه قصائده إلى شخصيات ومواقف مثل : أبي الهول - الشيوعي- صلاح الدين - الهدنة - فرنسا- الدولار.. إلخ.

ولقد وضع الشاعر ملحقاً وصف فيه بعض المواقع والأحداث مثل: فيضان بغداد - تمثال ترومان - اجتماع سعود والحسين في عمان في 1945. وتتجلى روح الشاعر الشفافة عندما يتعرض لقضية (أحمد) الأبله الذي مات ابوه مجنوناً في القطيف؛ وقد رثاه ( الفرج) بعد موته عام 1350 هجرية.. يقول في حق (أحمد) الأبله:

بكيتُ عليك يا حمّادي

كأنك بعض أولادي

بكاءٌ عينهُ قلبي

ودمع العين إنشادي

بكاءُ كله ُصمتٌ

بلا لطم وتعدادي

وكان الموتُ يُفجعني

بآبائي وأجدادي

فتغسل دمعتي حزني

وتطفئ لوعة الأحزان

آهاتي وأنّاتي

ثم يواصل:

أحمادي وواعجباً

لحمادي كإنسان ِ

ترى في جسمه بشراً

مَجازاً وهو روحاني

قضى من بينهم دهراً

ولم يغضب على جاني

ولم يطمع بتافهة ٍ

ولم يأسف على فاني

ونلاحظ روعة التصوير لدى الشاعر وكيف أنه التقط صورة (حمادي) الأبله ليجعل منها قضية يبث فيها قيم الخير والعدالة والتسامح والقناعة. وكم جميلاً أن نأخذ الحكمة من أفواه من نعتبرهم مجانين أو بلهاء مثل (حمادي) ؟!

ويتطرق الشاعر إلى الغزل العفيف في أشطر قليلة. يقول في قصيدة ( الحب السعيد) :

أوَلا تعلم أني

أنا منها وهي مني؟

أنا لا أصبر عنها

وهي لا تصبر عني

أنا جسمٌ وهي روحٌ

حبنا حبٌّ لَدُني

فهي من دوني

كالبلبل من دون تغني

وأنا من دونها

جسمٌ جمادٌ ليس يُغني

وأنا لفظ ٌ وما المعنى

سوي من أنا أعني

وكلانا لكلينا

غاية للمُتمني

حبنا حبُّ صفاءٍ

لا عتابٌ لا تجني

ونلاحظ الفلسفة في اتحاد الشاعر مع حبيبته؛ وهو اتجاه معروف لدى الصوفية.

ولا يخلو شعر (الفرج) من حالات نكتة أو مرح.. يقول في قصيدة (المحجبة):

رأيتُ قوامَها وسمعتُ صوتاً

رقيقاً رنَّ في أذني صداه

فقلت:

وراء هذا الحسن حسنٌ

تّخّرُّ له النواصي والجباه

ولما أسفرتْ أبصرتُ وجهاً

تود ترى الجحيم ولا تراه

وهذا الشعر يذكرنا بالمقولات الشعبية التي تقول: إن بعض المحجبات يخفين قبحاً وراء الحجاب أو النقاب. كما أن البيت الأخير يذكرنا بالشاعر الحطيئة الدميم الذي يهجو الناس في الطرقات؛ وذات يوم لم يجد من يهجوه، فهجا نفسه عندما نظر إلى البئر؛ حيث قال :

رأيتُ وجهاً قبّح اللهُ خلقه

فقُبح من وجه ِ وقُبح حامله!

وبعد.. فهذه رحلة عجلى في ديوان خالد الفرج الشاعر المثقف الواعي لأحوال أمته؛ الشاعر لها في السراء والضراء؛ المعتدل في مدحه؛ المخلص في نقده، وكم بودنا لو اطلع كتابنا ومثقفونا على ديوان الفرج وتناولوه بالدراسة والبحث؛ بصورة أعمق مما قمنا به.

- الدوحة hamsalkhafi@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة