لماذا تمنع معارض الكتب العربية الكتاب الإسرائيلي ودور النشر الإسرائيلية؟
مع أن آلافاً من الكتب الأجنبية والكتب المترجمة من الأمريكية والبريطانية والألمانية والروسية وغيرها من اللغات تزدحم بها معارض الكتب العربية، وبعضها يحمل ما قد يحمله الكتاب الإسرائيلي وقد يكون أكثر تعصبا منه وترويجا لمعتقدات السياسة الإسرائيلية.
ما الفرق بين الكتاب المترجم من الأمريكية أو من العبرية؟
ما الفرق بين كتاب مؤلفه يهودي، أو مؤلفه إسرائيلي أو مؤلفه صهيوني؟ إذا كانت الأفكار مطروحة على الطريق، فالفكرة ليست هي القيمة في ذاتها إنما ما تحمله من خطاب أي مجموع المؤثرات التي تحرك الفكرة وتصنع من خلالها معطيات النسبة والتناسب بما فيها المفاهيم ككليات مما يترك لخلفياتها فائضاً من الدلالات يمكن المساهمة في تعبئته، يعني إمكانية المقاومة عبر الدلالة من خلال الخطاب المضاد، وبالتالي يصبح التعادل بين تلك المعطيات عبر مواجهات بذات مقادير النسبة والتناسب متاحا، أي صناعة خطاب مواجه للخطاب الآخر، إنه توازن بين قوى الفكر والثقافة المتضادات، الذي لا يتم إلا عبر مواجهة مباشرة بين الخطابين، وتلك المواجهة لن يتم لها النجاح إلا عبر التطبيع الثقافي مع الثقافة الإسرائيلية، فإذا أردت أن تقاوم ثقافة عدوك فعليك أن تواجهه وتعرفه وتستقرأه.
وهذه أزمتنا الحقيقية، فنحن نخاف من الثقافة الإسرائيلية، ولذلك لجأنا إلى مقاطعتها ورفض التطبيع معها، لأن المقاطعة ورفض التطبيع، وسيلتنا للهروب من مواجهة المقاومة الثقافية، وهذه سيكولوجية تكاد أن تكون من أبرز سمات الشخصية العربية في العصر الحديث، لأن رفض ثقافة عدوك هو المتاح والمستطاع، وتفعيله هو تعويض لما تعانيه الشخصية العربية من انهزامية، تعويض يوفر لها الإحساس بامتلاك القدرة على إنتاج قرار حتى ولو كان معنويا تعوض به عن عجزها عن إصدار قرار سياسي برفض وجود إسرائيل وطردها من المنطقة، إنه أشبه برجل يحاول تعويض عجزه الجنسي بمشاهدة أفلام جنس، فقرار منع الكتاب الإسرائيلي ودور النشر الإسرائيلية من التواجد في معارض الكتب العربية، قرار ساذج لأنه لا يعني شيئا ولا ينتج شيئا، فلن يغير مواقف إسرائيل ولن يخرجها من المنطقة، وحتى قبول التطبيع الثقافي مع إسرائيل لا يعني أن إسرائيل ستصبح جزءاً من هوية المنطقة، لكنها بلا شك هي الآن وفق الواقع جزء من خارطة المنطقة رفضنا أم قبلنا، هو واقع ككل الأشياء السيئة التي تحيط بنا، إذن التعايش مع ذلك الواقع لتغييره، أكثر حكمة من سياستنا الآن معها، وقد أثبتت إسرائيل بعد أكثر من خمسين سنة أن (الحبس الانفرادي) الذي حكم عليها العرب به منذ احتلالها لفلسطين أي رفض أي نوع من أنواع التطبيع معها، لم يؤثر عليها، بل استطاعت أن تفرض على بعض العرب الدخول معها في معاهدات واتفاقيات تطبيع سياسي واقتصادي وهي ماضية اليوم في الاتساع في هذه الاستراتجية (وانظر حولك).
لذا قلت من السذاجة أن نظل نمارس (الحبس الانفرادي) للثقافة الإسرائيلية، لأن هذا الحبس سيزيد فجوة الاختلاف الفكري والثقافي بين العرب والإسرائيليين، بما يعني غياب لغة التفاهم بينهما، وهو غياب يؤثر بلا شك في على لغة التخاطب السياسي، وقد يقول قائل أليس فشل المفاوضات بين العرب والإسرائيليين دليلا على عدم الجدوى من أي تطبيع فكري وثقافي مع الإسرائيليين؟
لكن السؤال يجب أن يكون بهذه الصيغة، أليس فشل المفاوضات بين العرب والإسرائيليين يعود إلى غياب التطبيع الثقافي مع إسرائيل الذي قد يمكن من التوصل إلى تفاهم يرضي الطرفين؟ فالثقافة هي وسيط مهم بين مفاهيم الشعوب ومعتقداتها، ولذا علينا أن نراهن على المستقبل على الشعب الإسرائيلي الذي سيتحكم آجلا أم عاجلا في حركة القرار السياسي الإسرائيلي وضمان التأثير على هذا المصدر (الشعب الإسرائيلي) لن يتم إلا عبر تخطيط ثقافي عربي لاقتحام مرجعيات الشعب الإسرائيلي فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط.
ولا تستغرب عندما تسمع أن قرار رفض التطبيع الثقافي يصدر من دول بينها وبين إسرائيل معاهدات سلام وتطبيع سياسي واقتصادي، أقول لا تستغرب لأن العرب جميعا يشتركون في البحث عن الإحساس بالتعويض عن انهزاميتهم أمام القرار الواقعي المفروض عليهم، ليستطيعوا إيجاد التوازن النفسي الخاص بهم لقبول الواقع، حتى ولو كان ذلك عبر امتلاك قوة وهمية، مع أن شعورك بالقوة لا يعني أنك تملك قوة، أظن ذلك.
كما أن السماح بالتطبيع مع الثقافة الإسرائيلية ليس اعترافا بمعتقداتها، ولا يحل محل رفض مواقفها، إذن منع الثقافة المضادة من أجل تحقيق حماية الهوية القومية أو المحلية بما تحمله من معتقدات بالحقوق التاريخية العربية منطق الضعيف والعاجز، فهويتنا العربية وانتماءاتنا المحلية واعتقاداتنا بحقوقنا التاريخية تمتلك قوة كافية لحمايتنا من الانصهار مع اعتقادات الثقافة الإسرائيلية والدفاع عن خصوصية وتوثيقية تلك الحقوق، أو هذا ما ينبغي أن يكون، وإن حدث عكسه فليس الذنب ذنب الثقافة الإسرائيلية، بل ذنب العرب الذين انهزموا مرتين، مرة عسكريا ومرة فكرياً.
إن منطق الضعيف هو الذي يُشرّع المنع بدلا من المقاومة عبر الفكر والثقافة والرفض بدلا من المناقشة أيضا عبر منطق وعقلانية الفكر والثقافة، منطق يُشرع القسوة بدلا من التفاهم ليصبح الموت برهانا على النصر، فمضت أكثر من خمسين سنة نتحرك وفق منطق الموت برهانا على النصر فما اختلف الأمر، وأوشكت الأرض أن تصبح خرابا، وإن اعتبرنا أن منطق الفروسية والشجاعة والجهاد حقق الكثير من الانتصارات في الماضي، فهو على الأقل الآن لا يتناسب مع معطيات الفكر العولمي، المعتمد على تأثير الصورة المرئية والمقروءة، فالعالم اليوم لا يقتنع بقضيتك لأنك تملك الحق، بل يقتنع بها إذا امتلكت خطابا ثقافيا وإعلاميا قويا حتى وإن كنت الشيطان نفسه، فالعولمة هي حرب بالثقافة، والثقافة هي خدعة الأقنعة، والكتاب إحدى تلك الأقنعة.
لماذا نخاف من كل ما هو إسرائيلي سواء في أبسط الأشياء التي يمثلها أو أضخمها ماديّها أومعنويها، منطوقها أو مقروؤها؟ لماذا نتوجس من التطبيع الثقافي مع إسرائيل؟
أعلم أنها أسئلة تمثل إشكالية مع عقدة خاصة بنا نحن العرب نحو كل ما هو إسرائيلي، عقدة تقف حاجزا بيننا وبين التعايش مع الوضع الواقعي يعني إسرائيل، فإسرائيل وجود واقعي سواء أكان ذلك الوجود يحمل مرجعية حقيقية أو غير حقيقية، هو أمر لا يغير من مسلمات ذلك الوجود بأنها دولة ذات كيان ووجود وأثر وتأثير لا يستطيع أحد أن ينكره، وإن فعل، فالإنكار لا يلغي واقع الأشياء الموجودة، وليس هذا فقط، بل الأهم أنها ذات تأثير رئيس أكثر من العرب في حركة التغير اليومي العربي، والرأي العام العالمي، وأيضا بصرف النظر عن مصداقية مصدر الحركة من عدمها، (فالحاصل هو الدليل)، والمغني عما سواه، لا أقصد بالتعايش الاستسلام وإنما إيجاد استراتجية توازن ليس بين قوى الرعب بالطبع إنما التوازن بين قوى الفكر والثقافة، العربية والإسرائيلية وخصوصاً أنهما مشتركتان بالظروف المختلفة للخارطة الجغرافية لكلتيهما، فنحن لا نستطيع إنكار الثقافة الإسرائيلية التي أصبحت جزءا من ميراث المنطقة سواء ارتضينا ذلك أم رفضناه، ومعرفة ثقافة عدونا تدخل ضمن استراتيجية التعايش معه ومقاومته، فبالثقافة والفكر تستطيع أن تغلب عدوك، لأنها الوسيلة المتاحة لنا، فإن كانت إسرائيل قد غلبتنا عسكريا، فعلينا أن نخطط لغزوها فكريا وثقافيا، فتلك بداية المقاومة، فالكتاب يستطيع أن يؤثر أكثر من أي عملية انتحارية ساذجة.
على العموم ليست المعادلة كما نتصورها، بأننا لو اشتريتنا كتابا إسرائيليا أو قرأنا كتابا إسرائيليا أو كتبنا عن الفكر الإسرائيلي أو تعاملنا مع دور نشر إسرائيلية، فهو يعني خيانة لهويتنا القومية وتنازلا عن انتماءاتنا المحلية، وتفريطا في اعتقاداتنا بحقوقنا التاريخية، فمن السخف أن نظن أننا نبيع القضية عندما نشتري كتابا إسرائيليا أو نقرأه أو نكتب عنه، إن الأمر يبدو مثل ولا تقربوا الصلاة.!
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244
- جدة
seham_h_a@hotmail.com