وقت أصيل، أذرع بخطاي الحي الذي درجتُ فيه، تلوح لي القبة بيضاء..! تعتريني دهشة الاكتشاف، للتو ألحظ أن لونها أبيض ناصع..!! يداهمني خاطر..
- ماذا لو أن أحدهم كان قد سألني، ما لون قبة مسجدكم، بماذا عساني كنتُ سأجيب؟!
ألمح أنقاض أحد البيوت، أتساءل، أهدم ليعاد بناؤه، أيمكنني فعل ذات الأمر مع نفسي، هل أستطيع..؟
خطواتي تتسارع أكثر، نبضي يضطرب، لهاثي يعلو، عيناي تتشبثان ببوابة حديدية شبيهة ببوابة بيت خالتي، يطوف ابنها بذاكرتي المحمومة، متى يؤوب من سفره..؟
أعد أشجار الأرصفة، خوف يباغتني، يعرف طريقه إلي، المنعطف موحش على غير العادة، أين اختفى صغار الحي وأشقياؤه، لم يكونوا يفارقونه يوما إلا للنوم!؟ سألزم ذات الرصيف، سأسير بمحاذاة الأبواب لألج أحدها عند الضرورة.
صخب الطفولة يمزق ذاكرتي، كنتُ ألهو هناك، عند ذلك الجدار العتيق لحظة باغتتني العجوز الغريبة، أشعلت في قلبي الرعب، جريت منها، ظننتها تطاردني، مت رعبا، ركضت أكثر لأختبئ سمعتها تزعق خلفي، ما للصغيرة، فزعت لمرآي..؟!
ها هو هدفي أخيرا، باب العمارة الجديدة شاهق، يطالعني المرآب، يعج ذهني بشهقات الطفولة، كنا نصنع الفرح ننثر التراب فوق دكة مرآب جارنا الصقيلة لنتزحلق فوق صفائح الكرتون، تدغدغنا الضحكات، يخرج إلينا مزمجرا، نتطاير كفراش.
دهليز هذه العمارة ضيق، طويل، طويل للغاية كدهليز بيت جدي، كم كان قبلتنا ونحن صغار، يومض ذهني، هو ذاك إذن بيت صديقتي الجديد.