Culture Magazine Monday  10/12/2007 G Issue 226
فضاءات
الأثنين 30 ,ذو القعدة 1428   العدد  226
 

أنابوليس (وثقافة خدعة المؤتمرات)
سهام القحطاني

 

 

(لقد عشنا نتحدى اللحظات المجيدة في تاريخنا بأننا كنا أول من اعترف بإسرائيل)

(الرئيس بل كلينتون)

يبدو أن العرب لا يتعلمون من التاريخ، التاريخ الذي حكى لنا كيف باعت وقسمت الأراضي العربية من فوق طاولة المؤتمرات العالمية بداية من اتفاقية سايكس بيكو مروراً بفرساي و سان ريمو وأوسلو وكمب ديفيد وصولاً إلى أنابوليس، ولكن لكل منهم ما يخصه من عنوان وخارطة واستراتيجية توحي بأن الغايات والأهداف تختلف وتتطور، والحقيقة أن اختلاف لون الوجوه فوق الحائط، لا تغير من كونه حائطاً وسيظل حائطاً، يكسر رأس من ينطحه.

وهاهو مؤتمر أنابوليس يعيد صياغة الخدعة لاستدراج الضحية إلى المذبح باسم السلام، السلام الذي أصبح طعما يُستدرج به العرب ليعلنوا رسميا وبكامل قواهم العقلية التنازل عن حقهم التاريخي الذي تعتبره القوى العالمية حقا غير مكتسب.

لن يقدم مؤتمر أنابوليس أي شيء يمكنه حلحلة قضية الشرق الأوسط من المستنقع الذي تسكنه منذ عام 48، لأن كلا الطرفين مؤمن بحقه التاريخي في الأرض، ولكل منطقه الذي يبني عليه استحقاقه، فالعرب لهم منطقهم والإسرائيليون لهم منطقهم أيضاً، والأقوى هو من يملك فرض منطقه والاستحقاق المترتب عليه، كما أن الذي يدير التفاوض له قناعاته أيضا، قناعات تميل لطرف دون طرف، وهو ما يزيد فعل الشد.

إن نظام المفاوضات يحوّل الحقوق إلى مكتسبات، والمكتسب يقوم على القدرة والقوة والكفاءة، وليست المرجعية، وبذا يصبح الظاهر والموجود معيار الحقيقة، كما أنه دافع للشراكة، إنها إعادة صياغة الخارطة الإدراكية للتاريخ والجغرافيا، وهو ما ينتج الصراع والاختلاف، وهو صراع واختلاف عادة ما ينشأ بسبب تضاد قناعة الحق والمكتسب، وهو تضاد لن تستطيع المفاوضات تحويله إلى تطابق وهو مأزق أول لثقافة التفاوض، ولذا تفشل دائماً مؤتمرات التفاوض، لأن القناعة ليست رجلاً بل حسابات معقدة للوعي والتاريخ والجغرافيا والسياسة وأحلام الشعوب، فالمفاوضون يتحركون، ولا أحد منهم يملك القرار، فالمفاوض الفلسطيني ذاهب إلى أنابوليس بنفس القناعات التي ذهب بها إلى أوسلو ومدريد وكمب ديفيد، والمفاوض الإسرائيلي ذاهب بنفس القناعات التي ذهب بها المرات الماضية، لا أحد يريد أو يملك تغير قناعاته لاعتبارات أعظمها (تهمة الخيانة)، ولذا فالمجهول معروف وفق النتائج المتكررة.

مع ذلك فهناك سؤال: لماذا أنابوليس في هذا الوقت وما الغاية منه؟

هل يريد السيد بوش الصغير أن يختم علاقته مع العرب بنقطة رمادية تسهم في تفتيح السواد الذي سكبه فوق الخارطة العربية منذ أن دخل البيت الأبيض، ووفقاً لعمى الألوان الذي يطغى على بصر وبصيرة السيد بوش الصغير، ففرضية تكفير الذنوب مستبعدة كمسوغ لتصميم أنابوليس.

أما أنه يريد أن يقدم خدمة لإسرائيل بالقضاء على حماس من خلال ما ستحمله نتائج اتفاقيات هذا المؤتمر التي ستحظر بموجبها حماس وتخرجه من دائرة الأثر والتأثير، وهو ما اشترطه وزير الدفاع الإسرائيلي لإتمام وثيقة أنابوليس، أي محاربة البنية التحتية للإرهاب في قطاع غزة يعني حماس، وتقيد سوريا.

وبعيداً عن التساؤلات والتشكيك يظل الأمر واضحاً لا يحتاج إلى حيرة، فالموقف السياسي الأمريكي معروف نحو قضية الشرق الأوسط منذ زمن الرئيس ترومان وصولاً للسيد بوش الصغير واستمراراً لمن يأتي بعده، ولعل الآراء المتطرفة لكل من مرشحي البيت الأبيض سواء السيدة هيلاري كلينتون، والسيد بارك أوباما والسيد أدواردز، دلالات تشير إلى استمرار الموقف الأمريكي نحو قضية الشرق الأوسط، وتدليل إسرائيل على حساب حقوق الآخرين، والموقف الأمريكي نحو قضية الشرق الأوسط وجدلية فلسطين أهي حق أم مكتسب موقف محسوم وفق القناعات التي يؤمن بها الوعي الشعبي الأمريكي عامة والرسمي خاصة، وهو ما تُثبته السيدة مادلين أولبرايت، واضعة النقاط فوق الحروف، فهي ترى أنهم - الولايات المتحدة - ملتزمة التزاما كاملا بالمحافظة على وجود إسرائيل وأمنها، ويشعر غالبية الأمريكيين كذلك، لماذا؟ إننا نعلم أن المجتمعات اليهودية اضطهدت من أيام العبودية في مصر إلى المذابح المديرة في روسيا القيصرية.. لم نر في إنشاء إسرائيل إعادة تأهيل لشعب فحسب، وإنما أيضا لفتة كياسة من قبل الجنس البشري بأكمله (ص 129) إذن على البشرية أن تدفع ثمن أخطاء اليهود التي عوقب عليها بالاضطهاد والتهجير والتيه، كما أن السيدة أولبرايت ترى في تبجح بضرورة تنازل العرب عن فلسطين لتصبح وطنا قوميا لليهود، والحجة الساذجة ونقبل المقولة بأننا نطلب من العرب الذين لديهم مدن مقدسة أخرى وكثير من الأرض، بإفساح متسع لشعب إسرائيل الصغير في المكان الوحيد الذي كان لديهم وطن حقيقي فيه. (ص128)، هذا هو الموقف الحقيقي للخطاب السياسي الأمريكي الذي تزعم ومازال يتزعم مؤتمرات السلام، إن فلسطين يجب أن تصبح استحقاقا لليهود، إنه يتجاوز الموقف لتصبح عقيدة عند الدبلوماسي الأمريكي الذي يدير التفاوض وهو ما يُصعب المهمة، لكن جذور السياسة الأمريكية ترجع إلى إعلان بلفور، أن هناك أرضاً موعودة وأن الإسرائيليين هم متلقو هذا الوعد.. بالنسبة لدبلوماسيينا يكمن التحدي في التوافق بين نقطة البداية هذه والحقوق الشرعية للفلسطينيين، وتلك مهمة دونها صعوبات جمة في كافة الظروف، غير أن الاعتبارات الدينية بالنسبة لبعض الأمريكيين تتجاوز أي اعتبار لإنصاف الفلسطينيين (ص128) هل بعد هذا الحديث من حديث آخر، نعم هناك ذاكرة التاريخ التي تُثبت ما تطرحه السيدة مادلين أولبرايت العالمة بكواليس البيت الأبيض ومواقفه وتوجهاته وسياساته.

أليست الولايات المتحدة هي التي طلبت من العرب بقبول إسرائيل كأمر واقع في عهد الريس ريغان عام 1983، وهاهو السيد بوش يكرر الأمر لكن بصياغة الدولتين المتجاورتين، أليس هو الرئيس الذي قال في أكتوبر 84م (إنه بقيام إسرائيل تمكن اليهود من إعادة حكمهم الذاتي في أرضهم التاريخية)، فأنت عندما تعترف بحق طرف على متنازع فأنت تخدع الطرف الآخر.

أليست الولايات متمثلة في وزارة خارجيتها عرضت إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في مايو 1985 وفي فبراير لعام 1986 أكدت الولايات المتحدة رفضها لمطلب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين.

وفي فبراير لعام 1988م أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي أن السياسة الأمريكية ما زالت تتمثل في الدعوة إلى التنازل عن الأرض مقابل السلام في فلسطين المحتلة. وفي يوليو لنفس السنة أعلن الرئيس ريغان في بيان بأن أية تسوية سلمية لنزاع الشرق الأوسط يجب أن تلتزم بمبدأ الأرض مقابل السلام.

وفي يوليو لنفس السنة عارض مشروع البرنامج السياسي للحزب الجمهوري قيام وطن قومي للفلسطينيين.

وفي تشرين لنفس السنة صرح أحد مساعدي الرئيس الأمريكي المنتخب جورج بوش برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي نوفمبر لعام 1988م أعلنت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا توافق على إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة، لأن ذلك يعد تقريراً لمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة من جانب واحد في الوقت الذي ترى فيه الولايات المتحدة أن مستقبل هذه الأراضي ينبغي أن يقرر من خلال المفاوضات. وفي 1989م أكد الرئيس جورج بوش لأعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل تأييد الولايات المطلق والثابت لدولة إسرائيل. وفي إبريل لعام 1990م وافق مجلس النواب الأمريكي على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وفي يونيو لعام 2000 هدد الرئيس كلينتون بإعاة النظر في علاقات الولايات مع الفلسطينيين إذا أعلنوا دولة من جانب واحد.

إنها ذاكرة تحمل دلالات القناعات والمواقف الثابتة لتكرر الناتج وإن اختلفت صياغة وثائقها واتفاقياتها.

فهل بعد حديث ذاكرة التاريخ حديث آخر؟

نعم حديث العقلاء، فأمريكا مديرة المفاوضات لن تخسر إسرائيل من أجل العرب، أمريكا لن تسهم في الاعتراف بحق يسلب استحقاقات إسرائيل في الأرض العرض وهم أول من باركوها، فهل بعد حديث العقل حديث آخر؟

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة