خالد بن عبدالرحمن الذييب
من أجمل الأشياء التي يحققها الله للإنسان هي أن بعض الأحلام لا تتحقق. يعتقد بعضهم أنه كلما اقترب من الله أكثر فإن النتيجة الطبيعية هي أن يحقق له كل ما يريد، وكأن القضية قضية صفقة تجارية أو مقايضة بين الإنسان وربه، «أعبدك تعطيني، لا تعطيني لا أعبدك» وكأن الله في حاجة لهذه العبادة، بل يصل بعضهم لمرحلة أصعب، وهي «لا تعطيني إذن لا أعبدك وأشكك بوجودك لأنك لم تحقق لي ما أتمنى».
نفكر بأشياء ونتمنى أحلاما، ونعتقد أن تأخيرها سوء حظ أو سوء توفيق، وأن الحياة لم تكن عادلة معنا. فالزواج والذي تخطط له في الخامسة والعشرين قد لا يأتي إلا بعد الثلاثين، والأولاد الذين تتمناهم بعد الزواج بسنة يتأخر حضورهم، وربما لا يأتون أبداً. الشهادة العليا التي تتمناها بعد سنة من التخرج قد لا تأتي إلا بعد عشر سنوات من المحاولات في جامعات الدنيا، وأماني أخرى تحلم بها ولا تتحقق. ومع سوء التجارب التي نمر بها إلا أن هناك جوانب إيجابية لتأخر الأماني، أهمها الارتباط أكثر بالله، فمع كل رغبة تبتعد تدعوه، ومع كل لحظة بُعد عن الأمل تزداد قرباً منه بالرجاء، وكل ساعة ألم، تستغلها بالاستغفار، ومع كل أمنية لا تتحقق يزداد يقينك بأنها اقتربت أكثر، فكلما ابتعدت أحلامك عنك خطوة، تصل إلى قناعة أن الدعاء والاقتراب من الله هو الحل، فإن حصل ما تريد فهذا المطلوب، وإن لم يحصل فهناك شيء أراده الله لك خيراً مما تمنيت.
أحد الأشياء الإيجابية في عدم تحقق الآمال في حينها هو أن تعيش الحياة بمعنى ألذ، فانتظار الحلم حلم، ورؤية الرغبة وهي تهرب عنك وأنت تطاردها تخلق في داخلك رغبة أخرى بالمطاردة، وتجعل لحياتك معنى أجمل، فوجود أمل تطارده حتى وإن بدا لك كالسراب إلا أنه مثل الثمرة التي تحوم حولها وتقفز كل لحظة حتى تحصل عليها، فالحياة بلا أمل هي ألم بلا حياة. لا تأسوا على ما لم يتحقق فمتعة المطاردة هي بحد ذاتها متعة أخرى.
أخيراً...
يقول الشافعي:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله منها المخرج..
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج..
ما بعد أخيراً...
«ادخلوها بسلام آمنين» لن تسمعها بعد رحمة الله إلا بعد معاناة في هذه الحياة... فلقد خُلقنا في كبد!