نعم غُيَّابة التوحد وليس غَيَابَةِ الْجُبِ، غيابة طويلة الأمد؛ شديدة الظلمة لا مستقر لها لأصل إلى ابنتي وأخرجها.
مضى عمر ابنتي بين مراكز التدخل المبكر ذات الإمكانات المعدودة والقدرات المحدودة،وانتهت بينها وبين عيادات النمو والسلوكيات؛ هذه تصر على أن تتناول ابنتي دواء وتلك تؤكد على حاجة ابنتي لتعديل السلوك وضبطه دون الحاجة للدواء.
المعلمة ترى نفسها مختصة وذات خبرة، والطبيب يرى نفسه عالما وذا معرفة.
وأنا أم طفلة توحدية
لم أصدق إلى الآن إعاقتها لا أتقبل أسئلة الآخرين واستفساراتهم عنها.
أتألم كثيراً كل دقيقة كل ثانية أنظر لها ينعصر فؤادي ألماً لحالها
، أفكر في حالها الآن ومستقبلها غداً وأفكر في تفاصيل التفاصيل التي قد تمر بها ابنتي طفولتها - مراهقتها - شبابها، كيف أتقبل وضعها، كيف أواجه مجتمعي وأستطيع مساندتها.
كيف أنقذ نفسي من مخاوفي عليها التي تشل حركتي وتقض مضجعي!
أبكي باستمرار تخنقني العبرة دائماً لدرجة أتمنى أنها تموت قبلي، حتى لا تعاني من بعدي.
لا أعلم كيف أتخلص مما أنا فيه.
وهم يزيدون ألمي ألماً ببقاء ابنتي في المنزل دون تدريب وتعليم، ولا أنسى معاناتي مع المستشفيات والمراكز الصحية غير المؤهلة بشكل جيد، وأطباء ذوو كفاءات ضئيلة في طرق وأساليب التعامل مع أطفال التوحد.
جُرحت عيناها لم يستطع الطبيب فحص عينها، كُسرت سنها لم يستطع أخذ أشعة لها؛ حتى تحليل دم بسيط لم يستطيعوا أخذ عينة منها والحديث يطول، الكل يخشى التعامل معها ويرفضها بحجة ليس لدينا إمكانات ولا معرفة للتعامل معها.
وهكذا أصبحت من ضحايا ذوي (التوحد) التي ليس أمامها إلا مراكز أهلية تستنزف الأموال دون نتائج.. على قلة المادة أضغط نفسي من أجل صحة طفلتي.
أعوام مضت من أعمار التوحديين بالمملكة وهم يعانون إهمال جميع المؤسسات التي ينتظر الجميع منها أن تؤدي دوراً يُسهم في تخفيف معاناة ضحايا وأسر التوحد.. فإلى متى؟!
كم دعوت الله أن تمر سيارة وتخرج صغيرتي من تلك الغُيَّابة وتعيدها لي من منفاها ذلك البعيد.
ابنتي ريما
أتمنى أن تنظر عيناك لعيناي
أتمنى أن تسمع صوتك أذناي
يا طفلتي يا أغلى من روحي وعيناي
يا ثمرة قلبي يا أرضي وسماي
يا دمعتي يا بسمتي يا حبي ودنياي
يا ألمي يا أملي يا حلم ومُناي
** **
- ماجستير الآداب في رياض الأطفال