الاتجاه الغالب المميز للأدب الجديد هو أدب الحياة، أو الأدب في سبيل الحياة، حيث كل أدب حتى المأخوذ من بطون الكتب القديمة في السير والحكم والبلاغة، إنما هو في سبيل الحياة وتجميلها وتهذيبها، يقوم الأدب على التجربة الحية للإنسان أوالعصر أو الشعب، وأن تكون هذه التجربة صادقة خالصة، لا تزيف الصور ولا تهوّل الوقائع، لا تفسد التاريخ ولا تحجب الحقائق، تلك الحقائق التي تعد وسيلة العصر الحديث للكفاح من أجل التطور والتقدم، وبذلك يخرج الأدب من وظيفة الحلية البديعة الساكنة فوق الصدور، إلى وظيفة النور البراق المتحرك الذي يفتح الأبصار، ويثير ما داخل النفس البشرية، ويبرز ما في الأذهان من أفكار معاصرة.
إن أدب الحياة لا يكون عميقاً إلا إذا كان الأديب نفسه عميقاً في اطلاعه وفكره وفنه، ومتمسكاً بالصبر والجلد، مشيداً على العمل والجهد والاطلاع على ما كان ويكون، ليبرز للناس «الحياة» في عمقها واتساعها وشمولها للفكر والمعرفة والتجربة، لأن تلك هي «الحياة» تجربة وفكر ومعرفة.
ومن أبرز سمات الأدب الجديد «التجربة الحية»، ومعنى ذلك أن يكون الأدب ذاته عنصراً فعالاً حياً في العصر الذي يعبر عنه، أو في المجتمع الذي يصفه، أو في البيئة التي يسجل أحداثها، ومن هنا كانت المشاركة الذاتية أهم أركان التجربة في الأدب الحديث، وعلى وجه الخصوص أدب القصة، لأنها تستمد مادتها من الكتب والوثائق القديمة، ولا تنبع من الوثيقة الحية التي هي الأديب نفسه، فالأديب اليوم في نظر الأدب الجديد هو شاهد عيان يقسم أن يقول الحق أمام محكمة الضمير الإنساني.
وهناك يُطرح سؤال مهم، وهل معنى ذلك أن الأدب الجديد يطرد من حظيرته كل عنصر تاريخي، فالجواب يكون، بالطبع..لا... ولم يعد الأدب الجديد مجرد تسجيل للقديم، بل هو إعطاء روح جديدة للزمن الغابر، وبعث جسد قديم برأس حديث. ولم يزل التاريخ، ولم تزل القصصص والأساطير وكل صور التراث القديم مهبط وحي لكثير من الأعمال الأدبية الحديثة، ولكن الأدب الجديد عندما يستلهم المادة الجديدة يستهدف إلى غرض آخر، وهو البعث في الحياة الجديدة بلباسها الجديد وأفكارها الحديثة.
الأدب الذي ينتجه من الوثائق الشخصية المعتمدة الصالحة للشهادة على روح عهد من العهود، أو حديث من الأحداث، إنما هو أدب الصياغة أو الصناعة أوالبراعة، فالأدب الجديد فلا بد أن يكون من صميم التجربة الحية لعامل في مصنعه، أو جندي في معركته، أو فلاح في حقوله، أو كل شخص في مجاله.. كل من اجتاز تجربة إنسانية أو فكرية، واستطاعت ظروف المجتمع أن توفر له الثقافة التي تؤهله لحمل أداة التعبير الأدبي والفني.
ولن يكون الأدب مجرد رغبة في الكتابة، ولا مجرد ترديده لألفاظ لغوية، إنما الأدب الجديد سيكون هو أداة التعبير الفنية في يد التجربة الحية، فالأديب الحي الجديد يجب أن يستمد حياته من الأوراق الخضراء لا من الأوراق الصفراء. الأدب ليس هو فناً مطلقاً يقصد منه مجرد الفن، الأدب بنحو عام رسالة في الحياة، وبهذه الرسالة يكتسب الأديب مكانته وقيمته الحقيقية بوصفه راعياً لقيم الخير في المجتمع، وموجهاً للثقافة النافعة التي تسهم في البناء الحضاري. ولايكون الأدب أدباً إلا إذا عكست فيه الحياة بكل ما فيها من أفراح وأتراح، ومن آلام وأحزان، حيث الأدب بمفهوم وسيع هو مرآة المجتمع وتصوير الحياة.
** **
جامعة عالية،كولكاتا - الهند