عُرضت الشهر الماضي بتاريخ 19 أكتوبر 2023م، في الأحساء مسرحية «بحر» المأخوذة من نص مسرحي للمؤلف عبد الرحمن المريخي بعنوان «النهام بحر»، ومن إخراج سلطان النّوى، وتمثيل فرقة جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، وتدور فكرة المسرحية حول صراع الطبقية في المجتمع الواحد من خلال تجسيد علاقات الارتباط بين المرأة والرجل عامة، وبين «بحر» البطل وحبيبته «نورة» بنت النوخذة صقر خاصة في إطار تقليدي تراثي، ترجع للحقبة التاريخية السعودية قبل استخراج النفط وتأسيس المصانع، حيث كان اللؤلؤ مصدر رزق للبحارة الذين يعيشون قرب الخليج العربي، ولاسيّما لأهالي المنطقة الشرقية.
تبدأ المشاهد بوصلة طربيّة تراثية راقصة، يرتدي الراقصون فيها الملابس التراثية الخاصة بالبحارة قبيل الإبحار(الوزرة)، تمهد هذه اللوحة الراقصة للجمهور بالحقبة التاريخية التي تحملنا إليها المسرحية وتذكرنا بأجدادنا الذين كانوا يعانون في إيجاد لقمة العيش قبل النهضة العمرانية والنفطية.
أجادتِ المسرحية توظيفَ اللوحات الطربية والوصلات الموسيقية التراثية والرقص على الخشبة خلال العرض المسرحي بطريقة تتناغم مع الأحداث.
وقد كانت ألوان الإضاءة تساير دلالات العاطفة في العرض، فعلى سبيل المثال أتت زرقاء اللون في مشاهد البحر والحوارات بين الشخصيات أمام الشاطئ.
ولا يمكن تجاهل اللغة المحكية الحساوية التي جعلها المخرج لغة العرض المسرحي، وتضمنت جملا معروفة عند أهل الأحساء (والسعد يرفرف على باب بيتكم شِنه طير حساوي - ما هو كل طيرٍ ينصاد - اللي ما يوافق ماله مرافق - من دش بحر الهوى مالت موازينه)، وغيرها، واحتوت المسرحية على مواويل البحارة المشهورة عند أهل الشرقية عامة والأحساء خاصة أيضا.
وقد شكّل النهام «بحر» مع مجموعة الغواصين «كورالا» على الخشبة، ومنها قوله والبحارة يرددون معه:
دشيت بحر الهوى واثر الهوى ما يندش
صار ينتفض وفي قلبي ما ينخش
قالوا بعد من عشق يوم ترى ينغش
من ذاق ماي الهوى درب الدهر ما ينغش
إن كل الشخصيات كانت تؤدي دورها في تجسيد حي متناغم ضمن عمل الفريق، ويتضح المجهود في أداء البروفات قبل العرض.
وهكذا شكّل الجمهور مع الشخصيات كيانا واحدا انتهى دائماً بالتصفيق الحاد من كل الحضور.
وممّا يلفت الانتباه أنّ حركة الممثلين على الخشبة أتت مدروسة حسب الطريقة المنهجية في تقسيم الردح المسرحي.
إننا أمام مسرحية تراثية تراجيدية ذات نهاية مأساوية، حيث تبقى العادات والأعراف والطبقية هي المسيطرة على الحياة، لا يمكن الفكاك منها.
** **
د.هدى عبد العزيز خلف - باحثة في الأدب والمسرح