عمر إبراهيم الرشيد
لطالما ظلت إفريقيا وماتزال بغاباتها ومواردها الطبيعية الهائلة، وعذاباتها وأحزانها مدعاة للتأمل والتساؤلات التي لاتنتهي، عما يدور في قصور رؤساء دولها بنأي عما يجري خارجها. وهاهي تشهد تحولات في بعض دولها مع بزوغ عصر عالم متحول هو الآخر، ببروز قوى وأقطاب وتكتلات اقتصادية وسياسية بقيادة العملاق الأصفر والدب الروسي بمعية الاقتصادات الناشئة. فما يحدث الآن في جمهورية الغابون بعد النيجر مؤشرات لهذا التحول، ويبدو أن هذه القارة مقبلة على سلسلة انقلابات كما يحدث في لعبة الدومينو. وإن كان خلف هذه الانقلابات قوى خارجية إن صحت التوقعات - وهنا تحضر روسيا تحديداً، إلا أن المستعمرين الفرنسيين عاثوا في بلدان إفريقية نهباً لثرواتها مع إهمال عنصري متعمد لتنميتها مقابل ماتنهبه هذه الدول الاستعمارية من مقدرات شعوب تلك الدول، ولعل هذه الدول وعسكرييها الانقلابيين تدفعهم وطنيتهم لتغليب مصالح دولهم على أطماعهم الشخصية التي تلعب الدول الاستعمارية لعبتها على أوتارها، إذ لاعيب أو منقصة في تحالف مع دول متقدمة اقتصادياً وقوية سياسياً وعسكرياً مقابل منفعة وهذه قاعدة قديمة في العلاقات الدولية قدم الحضارة البشرية، بل إن تبادل المنافع مبدأ وأساس لسيرورة الحياة البشرية وحتى في مملكة الحيوان والنبات.
هذا العالم يمور بتقلباته وأحداثه وهو مقبل على تحولات جيوسياسية كبيرة، وعليه فإن تحالفات جديدة بدأت تظهر على السطح، بينما القوى الاستعمارية التقليدية ينتابها التوجس والقلق، إذ أن هبة أوروبا الغربية مدفوعة بأمريكا لنصرة أوكرانيا ضد روسيا مؤشر على ذلك القلق ورغبة مترسخة للمحافظة على النفوذ والمكتسبات بأي وسيلة. ألسنا نشهد بين الفينة والأخرى تلك الدندنة على حقوق الإنسان والحريات ببيانات من منظماتهم المسيسة سواء على المملكة أو الدول الأخرى، بينما تبرر الدول الغربية وأمريكا لنفسها تدخلاتها يمنة ويسرة، بينها فرنسا التي ظلت تتدخل عسكرياً في مالي والنيجر بدواعي محاربة الإرهاب بينما هي تحمي مطامعها التي تنهبها من دول إفريقية عدة.
إفريقيا تستيقظ كل حين على انقلاب وثورة في بعض دولها، هذه القارة السمراء الغنية بمواردها والزاخرة بنفطها وغازها وغاباتها، فهل يتعلم انقلابيوها الدروس من تاريخ قارتهم الحزينة، وهل يستفيدون من تجارب بعض جيرانهم الناجحة كما في رواندا التي نفضت عنها تراب التخلف والحرب الأهلية وأصبحت من دول القارة التي يضرب بها المثل في التنمية البشرية والاقتصادية. وهل يتعلم الروس ومعهم الصينيون الذين تغلغلوا في اقتصادات إفريقيا، بأن المطامع التي تعمي البصيرة عن حقوق تلك الدول وشعوبها في مواردها واستقرارها وازدهارها؟، إنما علمنا التاريخ بأنه إن لم يحرص أصحاب الأرض على أرضهم فلن يكون الأغراب أحرص منهم عليها، إلى اللقاء.