رمضان جريدي العنزي
لبنان كان وردة في شفاه الصباح، ماء غدق، وكلام مباح، غيمة مطر، وشجرة ثمر، قمر في السماء، ونجمة ضياء، قصيدة عذبة، مواويل مساء، لحن شذي، وخرير ماء، كان فرحاً ومرحاً، صار الآن وجعاً مزروعاً بخاصرة وجع، ذبلت شفتاه، والكحل في عينيه رحل، وقامته التي لا يشبهها أحد، مالت وانكسرت، وصارت حديث تسلية واستهزاء، لم يعد لبنان أنيقاً كما كان، ولا جميلاً كما كان، ولا بهياً كما كان، لا بحراً ولا فناراً، لا قرميداً ولا قارباً، ولا فيروزاً تغني، صارت حزينة كأنها أنين النسيم، وحزن الزنابق، صارت تردد بأسى: (لو فينا نهرب ونطير مع هالورق الطاير) لم يعد لبنان يدخل الروح كما كان، صار خنجراً ووجعاً وجوعاً وضيقاً ودماء، ظل منكسر، وضوء منطفئ، وشجر عريان، كان لبنان يسرق النوم من العين، والشوق من الجفن، والنوم فيه كنوم طفل هده التعب، والفاكهة فيه فاكهة مغايرة، والعسل لا يشبه العسل، صارت لبنان وجعاً مأزوماً، وبيدره تساقطت أوراقه، والنهر شح عطاءه، الفانوس انكسر، والحديقة لم تعد يانعة، والناس يمرون فيه مسرعين، خوفاً من الذبول والاحتراق، يخافون من الموت ومن الجوع، حتى إذا انهمر المطر لا يودون الخروج، تجنباً من الأفول والذوبان، دوماً متخوفين، ينظرون من بعيد إلى المعركة القادمة الحامية، ذبلت فيه وردة الدلفى، وحتى شجر البلوط أنحنى ومال، وكبرت المقبرة، كنا نعرف لبنان بأرض العسل والحلوى وحقول الفاكهة والمصنع والمسرح والعلم والكتاب، حتى هيمن عليه الحزب اللعين وجرده من كل شيء جميل وأنيق وبهي، أزال حقول الحنطة والتفاح، وعرائش العنف وأشجار الخوخ الرمان، وزرع نبات الأفيون، وصدر المخدرات، قتل الحسن والجمال فيه، وجاء بالقبح والدمامة، مارس العنتريات اللعينة والفشخرات، لغى زعيمه بالكذب المبين، والأساطير والأوهام، ومثل الكوميديا السوداء، توعد وهدد ونام بكهفه كما تنام الخفافيش، أو كما ينام الهر، وتنام النساء، غاصت بالدم قدماه حد الركب، وصار الخصم لأجمل بلد، مجنون يتفلسف ويخطب خطباً عمياء ثم يعود لمرقده وكأن شيئاً لم يكن، غريب هو ظهر من غابة، حتى صار زعيم معارضة، مدعوماً من غريب مثله، عاث بلبنان فساداً، ويعيش بترف، ولبنان يحدوه الفقر والجوع والفاقة، يعقد الخطب، سنحرر لبنان والعرب من العدو المغتصب، سنحمي أعراضكم، ونطرد الثعلب المتمرد المغتصب، فلا هو حرر لبنان ولا ساند العرب، بل قتل لبنان وفرق العرب، يدير الرعب والجنونالردى، وصار مجرد جلجلة.