رمضان جريدي العنزي
يا صديقي الذي اسمه بالميم يبدأ، لا تعجب إن التصقت وردة بالتراب، أو انطفأت شمعة بالظلام، أو زنبقة صارت في العراء وحيدة، لا تعجب إن صار للظهيرة ظل طويل مديد، أو صار الرمل بارداً في عز الظهيرة، لا تعجب إن صار لليمون عطر بعد عصره، أو اشتعل البلور في وضح النهار، أو بقي الأثر ثابتاً في مهب الريح العتيدة، لا تعجب إن صار السراب ماء، أو صار الماء سراباً، أو صارت الوجوه القبيحة جميلة، أو صارت الوجوه الجميلة دميمة، أو صار القناع يلبس ألف مرة كعادة حميدة، لا تعجب إن صارت الذئاب ثعالب، أو صارت الثعالب ذئاباً، أو صار للبومة تفاصيل جميلة، وصار الغراب يغني مواويل لطيفة، ينافس هديل الحمام، ويكسر صوت اليمام، لا تعجب إن صار القمح شعيراً، أو صار الشعير قمحاً، أو انبرى أشعب ينافس عطاءات الرجال الكريمة، لا تعجب إن انبثق الماء من صخرة، أو أينعت في البيد وردة، وصارت القصيدة لحفنة مال يجتبى، لا من أجل جماليات القصيدة أبداً مثل غزالة في عيون ذيبة، يا صديقي لا تعجب إن صار للإنسان سبعون ناباً، يلدغ الناس فيها همزاً ولمزاً، يهين جمال الحياة، ويصبح مصداً بين الغيوم وبين المطر، يسافر مع الناس ويسكن، عندهم مثل نسيم الهواء، وفي البعد عنهم يلوك روايات الغباء، ما حوى الصدق في أضلعه، وفي صدره رميم الخطايا العظيمة، فلا أفهم كيف يعادل حسن الربيع بزمهرير الشتاء، يقيني ما أرهف سمعه للينابيع فوق الحصى، لهمس النبات، لرائحة الفل فوق أسوار المدينة، هو فاشل كابن زيدون في حب ولادة، أو كالمتنبي في التكسب من كافور الإخشيدي، أو كفقاعة ماء، فما الذي سوف يحدث لو أنه تحدث بشفافية كالأقحوانة، يا صديقي متعب نبضي، وفي صدري عشرون تنهيدة، وشفاهي ليست طرية، وما عندي غير حبري، وفوق لساني ملح سدوم، أحب الأقحوان الطري، وأمقت الأقحوان المريض، صادق، وما عندي قناع، وألمع مثل القماش الشفيف، وأنثر من أناملي مفردات مثل الرذاذ، وأنسج منها وشاحاً للنفوس المتعبة، في روحي بريق، وفي قلبي سناء، أنا كاتب عذبته المعاني، حتى حولته لسندباد، أتنفس مثل الشجر في ظلام الحياة العميق، وأسعى على خمس زهرات ويافع، أحوم حولهم كرفيف القمر، مثل بحر يربي النوارس لكي لا تكل، ما خلطت يوماً الطين بالضياء، ولا لبست يوماً قناعاً، فيا صديقي - مهنا - يا عفيف كأرض طرية، يا ندي، يا من تضرب للتائه الأروقة، في مقلتيك الرضا، وفي شفتيك الابتسام، كأني أعرفك من ألف عام، تسافر من بحر جود لبحر جود، ويرقد في كفيك بياض النهار، كضوء به يستنير الضباب، فداك أشباه الرجال، وأهل التلون، وأهل النفاق، فلا سقطت أوراق عمرك، ومد في عمرك، لأني بعدك لا أعرف كيف أصوغ الرثاء، ولا كيف أقول الرثاء، فأنت فارس قد فتحت حصون النبل، ورددت حصون القبح على منكبيها، رفعت شعار البهاء، وأندحت مثل الغيم على البيداء، ما شب في صدرك الجشع وما فيه حفر، في فمي يا مهنا ازدحام مثل انتصار اليأس، أو هزيمة الرجاء، فلك مني ألف سلام وتحية، وأمنياتي لك أن تدوم، ودعائي أن تدوم.