رمضان جريدي العنزي
علاقة الإنسان بأخية الإنسان علاقات يشوبها البُعد والقرب، التداني والتنائي، الهجر والشوق، العزلة والألفة، إنها تشبه علاقة القنافذ مع بعضها بعضاً، ففي الليالي المطيرة الباردة يسعى كل قنفذ ليصبح على مقربة من الآخر، ومحاولة الالتصاق به، بحثاً عن الدفء، وهرباً من لسعات البرد، وقسوة الطقس، ومن ثم التجمد والموت. في هذه الحالة تحاول القنافذ التقارب والالتصاق مع بعضها بعضاً، وفق عملية كَرٍّ وفر، ورغبة وتوجس، لكن شوك القنفذ الحاد الذي يحيط بكامل جسده يجبره على التباعد حتى لا يؤذي حاله والقنفذ الآخر، لكن ورغم حالة البرد والوخز والألم والمخاطرة، قامت القنافذ بإيجاد حل جذري يضمن لها السلامة ويأتي لها بالدفء، وذلك بأخذ مسافة آمنة تضمن لها الدفء الكافي، والألم الخفيف، إنها الحكمة في التقارب والتعايش والتعاون دون إيذاء واضح، أو ضرر كبير. إن العلاقات الاجتماعية تشبه علاقت القنافذ مع بعضها بعضاً، إن الإنسان السوي في طبيعته اجتماعي لا يمكن أن يعيش لوحده، ولديه رغبة الاقتراب والاتحاد والانصهار، وعنده شهوة عارمة في الالتصاق والاشتراك مع الآخرين، وذلك حتى تستمر الحياة وتأخذ دورتها، ولهذا فإن على الإنسان الحصيف أن يبقي مسافة آمنة مع جميع من حوله حتى يعيش بسلام وأمان وراحة، مثله مثل السيارات لا بد من حفظ المسافات الآمنة أثناء السير للوقاية من الصدم المؤدي للتلف والتهلكة. إن على الإنسان العاقل المدرك الواعي اللبيب لكي يحيا بسلام دائم وراحة بال وهدوء ودعة، أن يحافظ دائماً على المسافة الآمنة مع أقربائه وأصدقائه وزملائة، والاقتراب اللطيف والحميم معهم، وعدم الجفاء والتنافر والبعد الطويل عنهم، بما يجعله يتواءم ويتلاصق معهم دون إيذاء ومناكفات وتعقيدات ومشاكل، وحتى يصبح كائناً أخلاقياً يتجاوز بأخلاقه وسلوكه كل العوالق الأسرية والاجتماعية، ويسعى إلى الخير والسلام والسكينة في كل الأوقات والحالات. وفي الأخير فإن العلاقات الاجتماعية مجموعة أسس ومعايير، ويجب إدارتها بطريقة احترافية فنية، وعقل حصيف، تضمن السلامة وتنظيم العلاقة، فلا تنكسر الجرة، ولا يتأثر الرابط الاجتماعي، فالشمس إن اقتربت إلى الأرض أحرقتها، وإن ابتعدت عنها تجمد كل شيء فيها.