إعداد - خالد حامد:
التراث الثقافي يعد حاجة إنسانية أساسية؛ لأن البشر لا يحتاجون فقط إلى الغذاء والمأوى، ولكن أيضًا الثقافة مطلوبة لهم من أجل البقاء والازدهار. وتعمل قيمنا الثقافية على تقريب بعضنا لبعض، وتساعدنا على تحقيق الأمن والمجتمع المستقر.
أعتقد أن المواقع الثقافية والأثرية يمكن أن تكون جزءًا من تلك الحاجة الإنسانية الأساسية أيضًا؛ فالمقابر والأماكن المقدسة جزء من هويتنا، وغالبًا ما تكون هذه الأماكن أكثر أهمية في أوقات الأزمات؛ إذ يبحث الناس عن العزاء والإجابات.
لقد كانت إفريقيا حكرًا على الباحثين البيض. وإفريقيا خضعت لفترة طويلة من الاستعمار، وتطور علم الآثار فيها بطريقة مختلفة عن علم الآثار في بريطانيا وفرنسا التي تعتبر من القوى الاستعمارية. ففي بريطانيا تطور علم الآثار كمشروع في القرن الثامن عشر، تديره جمعيات إقليمية، شكلت نوادي ومكتبات لهذا الهدف، ثم انتقل نشاط تلك الجمعيات من التركيز على الفن الديني والأديرة المدمرة إلى العصر الروماني والآثار.
في المقابل، في إفريقيا كان شعار علم الآثار الذي رفعه المستكشفون البيض هو «ما علاقة السكان الأصليين بهذا العلم؟»؛ إذ كانت فرق البحث جماعة من الغرباء عن الأماكن التي ينقبون فيها، كما كان مفوض المنطقة من الباحثين البيض يأمر الزعماء المحليين في المناطق ذات الصلة بتوفير العمال مع إبقاء السكان المحليين الآخرين بعيدين عن مواقع الاستكشاف.
لقد حدث تغيّر في علم الآثار الإفريقي إلى حد ما خلال مرحلة ما بعد الاستقلال؛ ليشمل الدول الإسلامية في غرب إفريقيا والسلطنات السواحيلية في شرق إفريقيا. هذا التغيير الجديد أعاد تأكيد عنصر «الحضارة» للروابط الخارجية (في هذه الحالات العلاقات العربية) بدلاً من أي إنجازات ثقافية محلية. فقط في فترة الثمانينيات بدأ علماء الآثار المحليون في دخول الصورة. ومع ذلك، حتى علم الآثار اليوم، في إفريقيا وأماكن أخرى، هو مجال يهيمن عليه البيض الذين يأتون بشكل كامل تقريبًا من دول أجنبية، وغالبًا ما ينتمي هؤلاء الغرباء إلى الطبقات العليا والمتوسطة.
لقد درست علم الآثار في أوروبا، وعندما عدت إلى إفريقيا افترضت أن الأساليب التي تعلمتها قابلة للتطبيق في كل دول العالم. ولكنني سرعان ما أدركت أن السكان المحليين لديهم طرقهم التقليدية للحفاظ على التراث، ومقارباتهم تقوم على الحفاظ على المعرفة بدلاً من الآثار.
من السهل اعتبار طريقتنا في حفظ الآثار في المتاحف أمرًا مفروغًا منه. ومع ذلك، فإن العديد من الثقافات ليس لديها تقليد حفظ الآثار في المتاحف. إنه أسلوب ابتكرته دول أوروبية في كثير من أنحاء العالم. بدلاً من ذلك، يتم نقل المعرفة من خلال الثقافة الشفوية والمهرجانات والأغاني والقصائد والاحتفالات والمحادثات والملاحظات غير الرسمية.
وعلى الرغم من أنني أعرف أصدقاء يعيشون ويعملون لفترات طويلة مع المجتمعات التي يدرسونها من أجل اكتساب أكبر قدر ممكن من المعرفة لتحسين العمل إلا أن عددهم قليل جدًّا. أدركت أن السكان المحليين لم يكونوا مرتبطين بنوع علم الآثار كما فعل الكثير من المستكشفين في إفريقيا.
هناك، على سبيل المثال، باسي أندا، عالم الآثار النيجيري الراحل، الذي قدم برامج تدريبية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي؛ ليتم تكييفها مع اهتمامات المجتمعات الإفريقية المعاصرة. وقد تعلمت أنه من خلال دراسة الأفكار، وكيفية ارتباطها بالأشياء الثقافية اليومية والتاريخ الشفوي، يمكننا اكتساب فهم أفضل للدول والأيديولوجيات في القرن الإفريقي.
نحن لا نحتاج - إذن - إلى علم آثار يتكيف مع الاحتياجات والتطلعات الإفريقية فحسب، بل نحتاج أيضًا إلى المزيد من علماء الآثار الأفارقة، الذين يمكنهم إثراء العلم.
لدى علماء الآثار الأفارقة الكثير ليقدمونه؛ إذ يمكنهم الاستفادة من المعرفة والمناهج الثقافية التي قد لا يتمكن علماء الآثار الأجانب من الوصول إليها. وفي كثير من الأحيان يكون لديهم أسئلة مختلفة عن الماضي، تتشكل من خلال الألفة الحميمة بين مجتمعاتهم وثقافاتهم، ويمكن أن تسهم هذه الألفة في التقدم في مجال الآثار. كان الناس في العديد من الدول الإفريقية على حماسة كبيرة للغاية لتزويد الباحثين المحليين بتراثهم. وظهرت هذه الحماسة عندما اكتشفت بعثة مصرية مؤخرًا 58 مومياء في الجيزة؛ إذ كان هناك اعتزاز واضح بحقيقة أن البعثة كانت في «مهمة مصرية»، و»بأياد مصرية».
مصر بالطبع بلد كان تراثه الأثري حتى منتصف القرن العشرين مرتبطًا فقط بفرق البحث الأجنبية؛ إذ يظهر المصريون فقط كـ»عمال».
ليس الأمر سهلاً دائمًا على علماء الآثار الأفارقة بالطبع. غالبًا ما يتم إما الاستيلاء على أبحاثهم الرائدة أو تجاهلها، وليس كل السكان المحليين سعداء؛ لأن الأفارقة أو حتى رجالهم ونساءهم يقومون بعلم الآثار؛ لأنهم معتادون على رؤية البيض يفعلون ذلك.
على الرغم من ذلك، فإن علماء الآثار الأفارقة لديهم القدرة على تطوير معرفتنا بالثقافة والتاريخ الإفريقيين، ونأمل أن يتم جذب المزيد إلى هذا المجال، واكتشاف روائع هذه المهنة الفريدة.
** **
صدى ماير عالمة آثار وتاريخ ومحاضرة سويدية من أصول صومالية، وتعمل حاليًا أستاذًا مساعدًا في كلية الآثار بجامعة لايدين السويدية - عن (الجارديان) البريطانية