سلمان بن محمد العُمري
منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً وأنا أتابع موضوع الطلاق في المجتمع السعودي ورصدت الإحصائيات المتصاعدة لحالات الطلاق وقدمت العديد من المحاضرات والمشاركات الإعلامية في الصحافة والإذاعة والتلفاز حول هذا الموضوع، وقمت بإعداد كتاب: (ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي.. دراسة تشخيصية) وهو دراسة علمية ميدانية عن: طبيعة الظاهرة، حجمها، اتجاهاتها، عواملها، آثارها وعلاجها، ومن نتاج تلك الدراسة بحث خرج في كتاب: (قبل إعلان حالة النكد.. رؤى وأفكار للمقبلين على الزواج من الشباب والفتيات).
ومع المتابعة المستمرة لظاهرة (الطلاق) و(خراب البيوت) أستطيع القول إن هناك العديد من العوامل المسببة للطلاق لم تكن معروفة لدينا، بل إن هذه الأسباب الجديدة هي التي رفعت نسبة الطلاق في الآونة الأخيرة، وهذا ليس بالملاحظة ولا المتابعة والرصد فحسب بل بالدراسة العلمية الدقيقة؛ فعلاقة المسببات الجديدة بالطلاق واضحة في النسبة ولكن هذه العلاقة تحتاج إلى جهود عملية لوقف هذا التصدع في بنيان الأسر.
المشكلة الأولى لدى طرفي الطلاق وهم الزوج والزوجة، والأخرى هي مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها ومايبث فيها من تخبيب وتزويق وغش وخداع وتأثر بعض النساء من خلال متابعتهن لمشهورات السناب اللاتي يرينهن أسلوب حياة غير حقيقي ككثرة الذهاب للمقاهي والمطاعم الغالية أسعارها، ولبس الماركات،
وزيارات عيادات التجميل والكوافيرات وهكذا، وفي هذه الحالة إما أن تكون الزوجة موظفة وذات دخل ثم يلحظ الزوج حقيقة الصرف غير المسؤول ويبدأ في نقاش الزوجة وفي الغالب يكون الجواب بأن هذا الأمر ليس من صلاحياته، أو أن تكون الزوجة بلا عمل ولا مرتب فتثقل على زوجها بالمطالب.
ولذا فلا غرابة أن نلحظ زيادة في ارتفاع عدد المطلقات من ذوات التعليم العالي والموظفات للأسف وهن من ينتظر منهن الوعي والإدراك والمسؤولية.
يقول أحد المشايخ الذي يعمل في مجال الدعوة؛ إن لدينا في مركز الدعوة والإرشاد قسم للقضايا الاجتماعية، جلها في الطلاق، وقد ظهر أن هناك ازدياداً ملحوظاً في أعداد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة، وأكثر الحالات يكون سببها تأثر الزوجة بزميلات العمل اللاتي يشجعنها على الخروج وترك الزوج وشؤون البيت، والفكر النسوي له حضوره المزعج، الذي تصعب معه النصيحة والتوجيه، ثم دورات الطاقة، وليست ببعيدة في تأثيرها عن الفكر النسوي، فكم خدعوا من النساء باسم تسترجعين إيجابيتك ووهجك وحيويتك، وللأسف هناك منهن من يصدق ذلك، فتقع في دائرة المشاكل، وكنا في السابق نسمع المرأة تشتكي، وتكشف المستور من أمور الزوج، أما الآن فالغالب أن الرجل هو الذي يشتكي، ويذكر أسباب تغير امرأته.
إن هناك تحولا وتغيرا كبيرا في سلوكيات المجتمع وأسلوب حياتهم ولكن القيم تبقى ثابتة وإن طغت المدنية ومغريات العصر التي قد تؤدي إلى بعض التمرد والمشاكل، وللأسف هناك من يعزز التمرد والانفلات من (خبلات) السناب، و(النسويات) لا لأن تنشئتهن الاجتماعية هزيلة، ولكن الشيطان أغواهن وأردن الغواية والخراب لغيرهن، وجل هذه النسوة من المطلقات والفاشلات في حياتهن ويردن التنظير لغيرهن لا للصواب ولكن للخراب، يقول أحد الباحثين؛ بعضهن نشرت فشلها الأسري مع زوجها فأخذت تروج لفكرة الطلاق وأنها الحرية، وأن الحياة بلا زوج أفضل وهي تعرف في قرارة نفسها أنها كاذبة؛ لأنها تخالف كلام ربها الذي شرع الزواج وجعله سكن للقلب والروح، وصدقها بعض النساء ممن عندها مشاكل معتادة في كل البيوت فخسرت حياتها وزوجها وأولادها وانقلبت حياتها بعد الطلاق إلى قهر وجحيم وتشتت لظنها أنها ستعيش بشكل أفضل، وهاهن الكثيرات ممن اغترت بهذه المشهورة الفاشلة وتورطت بالطلاق يذكرن تجربتهن ويتحسبن عليهن بعد فوات الأوان وهن يعضن أصابع الندم.
وأقول إنه لمن المؤسف أنه لا يوجد مراكز إحصاء دقيقة متخصصة لجميع حالات المجتمع ومظاهر التغير التي حدثت وتداعيات ذلك على صعيد الأسرة والمجتمع، والسؤال الذي يفرض نفسه مرة تلو الأخرى هل يوجد مراكز دراسات خاصة ومتخصصة ودقيقة في استقصاء المجتمع وتغيراته؟!.
لقد تم تأسيس «مجلس شؤون الأسرة» في المملكة، في 25 يوليو (تموز) في عام 2016 ليكون الكيان المستقل والجهة الرسمية في إدارة قضايا الأسرة، القائم على توحيد جهود القطاعات الحكومية كافة فيما يتعلق بقضايا الطفل والمرأة وكبار السن، وتشارك فيه 12 وزارة ممثلة تمثيلاً كاملاً.
ويتولى مهمة رعاية شؤون الأسرة، بهدف تمكين الأسرة وتعزيز دورها في التنمية المستدامة للمجتمع السعودي 2030 ، ولكن ثم آه من لكن فمنذ تأسيس هذا المجلس لم نسمع أو نقرأ له أي جهد في هذا الموضوع أو غيره، وهو مهيأ للعمل في مجاله بحكم التخصص ثم الجانب الأهم وهو توليه قيادتنا الرشيدة من اهتمام بشأن مفهوم الأسرة، كونها المصلح الأول في نشأة رحلة الفرد في تنمية دوره داخل المجتمعات، وتمكينه ببناء تطلعاته وتحقيق التغيير المنشود الذي يؤمن رفاهيته وكرامته، ولا أدل على ذلك من تكوين المجلس والذي نؤمل منه أن ينهض بأعماله ومسؤولياته فنحن بحاجة لقيام أبحاث رصينة، ونحتاج مع المستجدات لمواكبة هذه السرعة بدراسات وأبحاث مستمرة.
إن المؤشر الكمي (النسبة) في الإحصاءات الأخيرة عن الطلاق واضح ودليل على وجود علاقة بين الوظيفة ونسبة الطلاق.
وهذا يفتح الآفاق لسؤال علمي ولمشكلة بحثية يجب دراستها وهي ما أسباب طلاق الموظفة؟ وما تأثير كل سبب على نسبة الطلاق؟
لا أقول فّتش عن الراتب وكيفية صرفه، فثمة أسباب أخرى من (صويحبات يوسف) من المخببات اللاتي يزعمن الإصلاح وهن يؤثرن على من حولهن بالتمرد، فطغيان عاطفة الشر وتمني زوال النعم عند الآخرين مرض قلبي، وهنا لا بد من التوعية بعدم إفشاء أمور الحياة الزوجية والحذر من التعامل مع من يحاول إفساد الحياة، والوعي للجميع ممن يعاني من الأمراض القلبية والنفسية ويردن هدم البيوت على أصحابها بالفتنة، فالتخبيب منهي عنه شرعي، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده»، ولابد من العناية الفائقة بالمحافظة على الأسرة بكافة الوسائل الممكنة، ومازلت أؤكد على تأسيس مكاتب استشارات أسرية في كافة الأحياء تقوم بالتوعية والإرشاد للزوجين، والأمر خطير جداً على البناء الأسري المكون للبنّات المجتمع، ويحتاج مزيدا من الدراسات المتخصصة لدراسة الموضوع لئلا يتنامى الخطر والضرر.