د. حسن بن فهد الهويمل
في الذكر الحكيم:- {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم} الفلاسفة، والمفكرون، والسياسيون لا يجدون معرة في الفرار من زحف الأفكار، والرؤى، والأحداث.
[الحقيقة] غائبة، ومغالبتها -وهي الأغلب- ضرب من الجنون {قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}، في متابعاتي للأحداث، ومنازلاتي للقضايا أقف على تخريب متعمد لقضايا، ومواقف أخذت عند أصحابها حد القطعيات.
في العصر الحديث تولى علماء اليهود كبر الطمس المتعمد لسائر المسلمات في مختلف العوالم الإنسانية، والمعرفية:-
[فرويـد] في علم النفس.
[وماركس] في علم المال، واللاهوت.
[دوركايم] في علم الاجتماع.
[دارون] في علم النشوء، والتطور.
[تشومسكي] في علم اللغة.
وما من قضية معرفية أُتِيتْ من قواعدها إلا ووراءها يهودي متصهين يبدئ فيها ويعيد، ومن خلفه مُلَمِّعُون يخادعون الله {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} وتَبعيون لا يلوون على علم، ولا على فهم.
وكل رؤية يحسبها الناس قَطْعيَّةً ينبعث من جوفها من يجهز عليها، مثل النظريتين:- [الداروينية]، و[الفرويدية]، وللخلوص من دوامات البحر العلمي اللُّجِيِّ طَرَحَ المطارِدُون للِنَّوَازِلِ مصطلح:-
[المابعديات ]:-
- [ما بعد البنيوية].
- [ما بعد الحداثة].
- [ما بعد الماركسية].
- [ما بعد الفلسفة].
ثم واكبتها نظرية [موت المؤلف]، و[موت النقد]، ثم انبعثت مقولة [الخيانة:- [خيانة سيبويه]، و[خيانة الترجمة]، وهكذا تتعاقب مصطلحات، ونظريات التخلص.
وهذا المصطلح [الما بعدي] كفيل بفك الاختناق في نفق القطعيات. كل المفكرين، والفلاسفة، وسائر [اللاهوتيين] لا يُسَلِّمون للاحتمال. ولا يقولون:- [كلامنا صواب يحتمل الخطأ] بل يقولون و بِزُهو [كلامنا برهان قطعي الدلالة، والثبوت] حتى إذا صُدِمُوا بِحُجب [الحقيقة] تحول هَدِيرهم إلى رغاء، وزئِيرهم إلى مواء، واستنجدوا بنافقاء [اليريوع]:- [المابعديات].
لقد تَعَمَّقْتُ في قراءة [جاك بول سارتر] لأنه يمثل التيه، والعدم ويتمثل الفكر الملحد، ويجالد، ويجاهد في سبيل تكريس الغثيان. والدوار. والضياع.
لقد قضى حياته وهو يلهث وراء تحرير مسائل حسية، يود النفاذ من خلالها إلى [العدم] بوصفه غير حسي، وكتابه:- [الكينونة والعدم] بترجمته الحديثة، و[الوجود والعدم] بترجمته القديمة. وغيره من الكتب الفلسفية التي ترصد، وتحلل، وتُقَوِّمُ، تكشف عوار الفلسفة المادية الإلحادية الحديثة.
وبصرف النظر عن خلفياتها المذهبية، وأنْساقها الثقافية، فإنها تكشف عن تقلبات تدفع بسائر المفكرين إلى التوسل بمصطلح [المابعديات]، وهو مصطلح يفر على متنه كل من خاض في الغيبيات، وليس معه إلا عقل حسي مرتهن لحواسه الخادعة، الناقصة، المحدودة الإمكانيات.
لقد شغلتني [البنيوية] في كل تحولاتها اللغوية، والفكرية، ومقاصدها التي يجهلها الكثيرون، وبخاصة النقاد، واللغويين.
شُغِلَ الفلاسفة ردحاً من الزمن بالبحث عن [الجوهر]. والجوهر من مفردات الحقيقة الأبدية الغياب. رغم التساؤلات الملحة:- {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}، {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}، أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً}. ولما أعياهم البحث في [الماورئيات] جاءت [البنيوية] برؤية مغايرة، إذ قامت على البحث عن [العلائق]، لا عن [الحقائق]. فالتفكير في [الجوهر] أدَّى بالجميع إلى العدمية، التي نسلت من رحمها [الوجودية] بشقها الإلحادي، والتي حرَّر معطياتها [سارتر ت 1985م] بسائر رواياته، ودراساته.
لن أتحدث عن بدايات سائر النظريات ولا عن تحولاتها، وبعدياتها، فذلك لا يستوعبه مقال محدود المسافة، والكلمات، وإنما أحيل إلى ثلاثة كتب في غاية الأهمية في مجالها المعرفي لأنها تراوح بين مناهج التاريخ، والتفكيك، والتقويم. وتشير إلى هذا المصطلح المنقذ [المابعديات].
الأول:- [خمسون مفكراً أساسياً معاصراً من البنيوية إلى ما بعد الحداثة] لـ[ جون ليشته].
والثاني:- [الكينونية والعدم ] لـ[ جاك بول سارتر].
والثالث:- [روح الفلسفة الحديثة] لـ[جوازيا روس].
ومن قبل هذه لفت نظري إلى حد الإدهاش كتاب [الكينونية والزمان] لـ[ مارتن هيدغر]. بوصفه معادلاً وجودياً ألمانياً لـ[سارتر] الوجودي الفرنسي. وقد أثنى عليه الزميل [د/ حمد السويلم] وهو من هو في علمه، ومتابعته الدقيقة. وحين أعدت البحث عنه لإنجاز هذا المقال لم أعثر عليه في الحقول المتوقعة، هذه الكتب متألقة في مجالها الفلسفي.
البحث عن فهم هذه التقلبات المتقنعة بمصطلح [المابعديات] ضرب من الفصول.
ومسوغ ذلك حب الإنسان للجدل وسعيه وراء الحقيقة التي تُشْبِه مُسَابَقة الظِّل:- {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}.
فالإنسان وهو نطفة فارغة من كل شي يبحث عن [الجواب]:- {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}، وحين يسأم الحياة، وغنوصيتها، وتكاليفها يبحث عن [السؤال] الذي ألهاه عن كل شيء.
الإنسان فضولي بطبعه، حين يلهث وراء المعلومة بإمكانياته البسيطة:- {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}، ومنهك إلى حد الإعياء حين تلهث وراءه المعلومة.
يسأل الإنسان في عنفوان شبابه:- ما الذي أعرفه. ويسأل في خريف عمره:- ما الذي لا أعرفه. ويأتي الجواب الصاعق:- {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.