د. محمد بن إبراهيم الملحم
أول ما يصطدم به الطالب عند مغادرته الدراسة في الثانوية وبدء حياته الجامعية هو السنة التحضيرية لتكون لكثير من الطلاب حجر عثرة بينما كان يفترض بها أن تكون عاملا مساعدا للتكيف للحياة الجديدة، وذكرت سابقا ضرورة تدريس «مهارات الدراسة» وتفعيل الإرشاد الأكاديمي، وهذان تشتد أهميتهما في السنة التحضيرية، ولكن مع الأسف لا تكاد تراهما (أو ربما لا تراهما!)، وفي عدد من الكليات (خاصة العلمية) تقدم للطالب في السنة التحضرية أهم أدواته للدراسة الجديدة وهي اللغة الإنجليزية، وهذا عين العقل فهي لغة العلم اليوم ولا تتصور طالب طب أو هندسة أو علوم لا يقرأ العلم بالإنجليزية بتدفق وفهم عميق، ولنتذكر أننا نتحدث في دور الجامعة لصناعة التفوق العلمي، وكثير منا شاهدوا طلابا كانوا «متفوقين» قبل الجامعة فإذا دخلوها فشلوا، وفي أحسن الأحوال يبدو أحدهم في مستوى أقل من مستواه الحقيقي بمسافة واضحة، وكيف لا يتأخرون وقد ملكوا مهارات العلم ولكن فقدوا أداته (اللغة)، هل يعرف أحد منكم صانعا ماهرا في أي مجال حرفي يمكنه أن ينجز لك العمل كما عهدته في حرفته وجودة صنعته وقد أخذت منه أدواته! من فشل هنا: التعليم العام أم الطالب أم السنة التحضيرية؟
وحتى لايتهم المقال بالإيغال النقدي دعونا نتأمل مسألتين: الأولى في المحتوى حيث أحيانا يكون المنهج هو من الشائع لتدريس اللغة الإنجليزية بشكل عام ليس بالضرورة لطلاب تخصصات علمية وهذه مشكلة، والثانية طريقة التدريس التي تركز على القواعد والتقنيات طوال الوقت بينما ينبغي إعطاء القراءة والفهم القرائي وزنا أكبر ليتمكن الطالب من مهارات اللغة، وهذه القراءة تكون بخاصة في سياق التخصص (أو التخصصات) التي يجري إعداد الطالب لها، إن الفهم القرائي هنا يكون هو مرتكز كل نشاطات تدريب الطالب، وأقول «تدريب» وليس «تدريس» لأنه هو المطلوب فعلا وليس عملية التدريس النمطية شرح وأمثلة وننتقل للدرس التالي، فذلك لا يحقق هدف الإعداد المطلوب، لأن التدريب يمارس فيه الطالب ويكرر الممارسة حتى يتقن القراءة بفهم، وهو المطلوب ليكون جاهزا للمرحلة القادمة من دراسة المواد العلمية واستيعاب شروحاتها من مفاهيم وقوانين وتعليلات منطقية ومقارنات واستنتاجات الخ ولكن مع الأسف هذا ليس هو الأسلوب المتبع.
ثالثة الأثافي إن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو تخصيص هذه السنة لدراسة الإنجليزية فقط بينما واقعها أنها حشرت معها مواد رياضيات وفيزياء وكيمياء لتزاحم الهدف الأساس من «السنة التحضيرية» وهنا أسألكم بالله: كيف تكون سنة تحضيرية لتسليح الطالب باللغة التي سيدرس بها العلم وفي نفس الوقت تقدم له مواد علمية باللغة الإنجليزية التي لم يتقنها بعد! طبعا بدأت هذه البدعة بعض الجامعات «المرموقة» والمشكلة أن الجامعات «الأقل مرموقية» قلدتها ولكن قدمت تلك المواد العلمية بطريقة سطحية وشكلية (يقول لي أحد الطلاب يدرسونا هذه المواد بالعربي واختباراتها سهلة جدا!) مما يعني أنها لا قيمة لها في العطاء العلمي أو العملية التحضيرية وإنما هي مجرد إهدار لوقت الطالب ولموارد الجامعة! نعم لتدريس هذه المواد ولكن بشرطين: الأول أن لا تكون مواد نجاح ورسوب فلها هدف تعليمي بحت، والثاني أن يكون هدفها تقديم اللغة الإنجليزية ذاتها في سياق هذه المادة فتجد من يدرس الكيمياء يشرح ويناقش باللغة الإنجليزية ولا يهدف إلا لتصويب أخطاء الطلاب اللغوية أثناء نقاشات الدروس فتركيزه على اللغة لا على الموضوع نفسه.
طبعا بعض الجامعات «المرموقة» والتي تدرس هذه المواد باللغة الإنجليزية فعلا يقال عنها إنها تستخدم هذا الأسلوب «غير المنطقي» لتصفية طلاب السنة التحضيرية فتكون المواصلة أو التفوق من نصيب من جاءوها ولغتهم جيدة أو تحتاج إلى مجرد صقل، وهي بهذا الاعتبار تحصل على نخبة من نوع معين وبتحيز معين، وأترك لكم الحكم على هذا التصرف، بيد أني أعلق أن طلابنا المتفوقين والمتوسطين الذين يجتازون أمثال هذه الجامعات هم عباقرة عند قياسهم بغيرهم في دول متقدمة، وأنا أعني ذلك فعلا فقدراتهم على تحمل ضغوط هذه الجامعات هو ما جعلها تسمي نفسها «مرموقة»، وليست بالضرورة جوانب نوعية في أساليب تدريس أو مناهج أوموارد علمية خاصة لدى هذه الجامعات. أقول قولي هذا في موضوع التفوق الطلابي الجامعي وربما أعود إليه بعد حين، ولكن سأستمر معكم في حديث الجامعات.