د. محمد بن إبراهيم الملحم
نقترب من ثلاث سنوات مرت على دمج وزارة التعليم العالي بوزارة التعليم العام وذلك في 29 يناير 2015 وإذا كان الدمج له مقاصد فإني أرى أن أبرزها هو التكامل بين الوزارتين ممثلا في أن تكمل الجامعات دور المدرسة كما أن المدرسة تُعدّ الطالب للجامعة بشكل دقيق ومتكامل، والآن يبرز السؤال هل تحققت هذه الرؤية؟ هل فعلا هناك انسجام تام (أو حتى أفضل من قبل) بين هاتين المؤسستين؟ أم أن الأمر لا يزال كما عهدناه قبل هذا القرار؟ أرجِّح أن أكثرنا لديه إجابة واحدة عن هذا السؤال.. ولا يزال التباعد بين مخرجات ومدخلات المؤسستين واضحا فطالب الثانوية يعاني ليتمكن من التأقلم مع مطالب السنة التحضيرية الجامعية التي لا تسعفه لأجلها قدراته ومهاراته المحدودة التي أتى بها من الثانوية، وأنا أشير هنا إلى الجامعات «المرموقة» والتي يشار إليها بالبنان، بل إن بعض الجامعات «سوبر مرموقة» تستخدم هذا العامل كوسيلة ل»تصفية» طلاب هذه السنة بعد أن قبلتهم بشروطها الصعبة «قدرات ونسبة موزونة عالية» ، فيأتي هذا الفرق «الثقافي» الكبير بين مفهوم وأسلوب التعلم في المرحلة الثانوية وأسلوب التعلم في الجامعة كورقة رابحة لهذه الجامعات في «التخفف» من العدد الكبير الذي قبلته لديها، ربما كان الأجدر بهذه الجامعات أن تسميها «السنة التصفوية» بدلا عن «السنة التحضيرية»
هل أبالغ! فكر معي قليلا في الطالب الجامعي الأمريكي أو الفرنسي أو السنغافوري ، هل يجد أحدهم فرقا في طريقة التدريس والتعلم الذي ألفه في الثانوية وما سيواجهه في السنة التحضيرية الجامعية؟ الجواب لا بالطبع حيث اعتاد في المرحلة الثانوية على أسس التعلم الذاتي التي تتطلبها منه الحياة الجامعية، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن الجدوى من دمج الوزارتين طالما لم يتحقق هذا الجانب البسيط، ولعلي أشير هنا إلى مفارقة جدلية كان كثير من الفريق المناهض لاستخدام اختبارات القدرات كوسيلة للقبول في الجامعة يبرزها في جداله حول منطقية استخدامه كوسيلة لتقييم مستوى الطالب حيث يدعي هؤلاء أنه طالما تخرج الطالب من المدرسة التي تشرف عليها وزارة حكومية محترمة مثل وزارة التربية (كما كانت تسمى آنذاك) وباختبار وزاري (أو بمعدل تراكمي كما أصبح لاحقا) فإن معدل التخرج هذا ينبغي أن يكون كافيا لقبوله في الجامعة والتي تتبع لوزارة حكومية أخرى هي وزارة التعليم العالي (قبل الدمج) إلا إذا كانت الأخيرة لا تثق بأداء وزارة التربية التي تشرف على المدارس الثانوية فابتدعت مؤسسة «قياس» لعمل اختبار بديل! وهي حجة لها درجة معتبرة من المنطق (ولا يعكس هذا رأيي الشخصي هنا) ولذلك وبعد أن دمجت الوزارتان معا أصبحت منطقية هذا التساؤل أشد وأقوى وما عاد لوكالة التعليم العالي حجة وقد أصبحت الأخ الشقيق للتعليم العام في عباءة الأم الجديدة (وزارة التعليم المدمجة) بعد أن كان الاثنان مجرد جيران يختلفان كثيرا على مكان إيقاف سيارة كل منهما أمام باب المنزل بالطريقة الصحيحة!
السؤال يطرح اليوم بعد مرور ما يقترب من ثلاث سنوات على دمج الوزارتين فماذا قدم ذلك لأبنائنا؟ أو ليكن السؤال مفعما بالعاطفة والتسامح المفرط وصديقا أكثر: بماذا تعدنا الوزارة الكريمة لتجيب عن هذا التساؤل وتكشف المنافع والفوائد «التعليمية» والتي تعود على أجيالنا وأبنائنا بما ينفعهم ويقلل خسائر عمرهم الجامعي وينعكس بالتالي على الاقتصاد والتنمية الوطنية؟ أظنه سؤالا وجيها...