د. محمد بن إبراهيم الملحم
كنا في الثمانينيات ننتقد «الإرشاد الأكاديمي» الذي هو الأداة الأساس ليفهم الطالب نظام الساعات والتسجيل والحذف والإضافة الخ وكان هناك تقصير شديد في هذا السياق، بينما اليوم ما زال هذا الجانب ضعيفاً مع الأسف، فكم تحدثت إلى طلاب جامعيين مستجدين فأسأل الواحد منهم هل عندك خطة للتخرج؟ هل تعرف ما هي المقررات التي ستدرسها بعد سنتين وكيف ستسير فيها؟ هل تعرف ما هو متطلب كل مادة، وهل تعرف كيف يحسب المعدل التراكمي وكيف ترفعه لو انخفض؟ إلى آخر مثل هذه الأسئلة، وأتفاجأ أن كثيراً من طلابنا ليست لديهم إجابات ناضجة، الأمر الذي يعكس لي أن الإرشاد الإكاديمي لم يتطور منذ ذلك الحين! ولا يتوقف الأمر هنا في واجبات الجامعة، بل زاد عليه تضاعف حاجة الطلاب من جيل اليوم إلى مزيد من الإرشاد أو فلنقل درجة أخرى في مراتبه ويمكن أن أسميه الإرشاد التربوي ويتمثل من خلال مادة تسمى المهارات الدراسية study skills، وهذه المادة المهمة تقدم في الجامعات التي تهتم بتعلم طلابها لترتقي بهم وتطور قدراتهم الشخصية soft skills في التعامل مع حياتهم الجامعية حيث تتطلب هذه الحياة نوعاً جديداً من الأسلوب الدراسي، وأتصور في سياقنا أنها ستقدم لهم مهارات الدراسة التي لم تنورهم بها مدرستهم الثانوية المقصرة، وحيث وصل الطالب الجامعة فإنها ينبغي أن تنظر له أنه من لبنات بناء اقتصاديات المعرفة التي يجب إيلاءها اهتماماً خاصاً، فمن المعروف أن الطالب الجامعي يفتتح حياة جديدة وهناك حالات كثيرة ارتقى أداؤها في الجامعة عنه في الثانوية نتيجة للبيئة العلمية والتعليمية الجديدة (المتميزة) التي وجدها، وهذه البيئة غالباً ما تكون نتيجة اجتهادات محدودة لعميد كلية هنا أو هناك أو رئيس قسم هنا أو هناك لكن لم يحدث أن وجدت بيئة شاملة في مستوى (جامعة)، وهو ما يطمح له مثل هذا المقال وينطلق من منطلقاته، ويدعو أن تستثمر الجامعة في طلابها وتقدم لهم المهارات الدراسية كأول بادرة منها في هذا السبيل.
في هذه المادة يتعلم الطالب كيف يتعامل مع كل مقرر سيدرسه بأسس التعلم السليمة، ويفهم كيف يحصل على مصادر المعرفة المتنوعة سواء في المكتبة أو عبر الإنترنت وذلك باحترافية تليق بمثله ممن تستهدف الجامعة أن يكون «متفوقاً» (وإلا فإن كل شخص قادر على البحث في الإنترنت!) كما أنه يتعلم فيها كيف يعمل في فريق وبروح الفريق ليتعلم من زملائه الطلاب ويستثمر في زمالته الطلابية لصالح تفوقه العملي، ويتعلم أيضاً كيف يمارس البحث العلمي في سبر أغوار معلومة صعبة أو يكتنفها الغموض سواء كان ذلك لمهمة دراسية بحثية فعلاً أو لمهمة تعلم ذاتي، وهنا فإن هذه المادة تؤسس للشغف العلمي الذي قد يبزغ مستقبلاً كما أن ترضي هذا الشغف إن كان وجود فعلاً أو كان بصدد الإطلاق والانطلاق، وتقدم هذه المادة للطالب أسس تقديم نفسه والتعبير عن أفكاره علمياً ليتمكن من التفاعل الواعي مع أساتذته وكل المحيطين به في الجو العلمي الجامعي، وتقدم له أيضاً بعض المهمات كتحديات يجرب فيها نفسه بحرية، وحيث إن هذه ليست كل شيء... بل مجرد أمثلة لما يمكن أن تقدمه هذه المادة فيمكنكم تصور كيف سيكون أداؤها في الارتقاء بالطالب، وينبغي هنا أن أشير إلى أن كل ما سبق ينبغي له أن يكون بعيداً عن قيود الدرجات والتقييم فعلى الرغم من أنني أتصور مادة المهارات الدراسية متطلباً إجبارياً بيد أني لا أراها مادة نجاح ورسوب بل حضورها التام بنسبة مائة في المائة هو متطلب النجاح فيها، كما أنصح الجامعات أن تعمل لها نظاماً مرنا فيمنح من يحقق فيها درجة جيد جداً فأعلى فرصة طلب إدراجها بدلاً عن إحدى مواد متطلبات الجامعة، وأخيراً فإني أشبه قيمة هذه المادة بما يسمى في أدبيات الإدارة بتدريب الموظف على رأس العمل حيث دائماً يؤكد عليه أغلب خبراء الإدارة مشيرين لأهميته في تطوير الموظفين وعلاقته الإيجابية العالية باستثمار رأس المال البشري، وبمناسبة ذكر هذا المصطلح المهم، فإنه حيث يُنظر للموظف كرأسمال الشركة، فكذلك يجب أن تنظر الجامعة للطالب على أنه رأسمالها الذي يجب أن تستثمر فيه (بل هو رأس مال الوطن).