ياسر صالح البهيجان
التسوّل ظاهرة اجتماعيّة ليست بالجديدة، لكنّها تعاود تشكيل ذاتها من مرحلة إلى آخر، وهي كغيرها من الظواهر الاجتماعيّة يجري استغلالها لتمويل الأعمال غير المشروعة باستخدام أفرادٍ مخالفين لأنظمة الإقامة الشرعيّة لسهولة إجبارهم على ممارسة ذلك السلوك ولرغبتهم في توفير مصدر دخل يعجزون عن الحصول عليه من الجهات المعترف بها.
والتسول العشوائيّ عند إشارات المرور والأماكن العامة مؤشر على تخلّف المجتمعات، ويؤكد على ضعف أداء الجهات الرقابيّة التي تُعنى بمكافحة هذا النوع من التسوّل، ويكشف كذلك عن سوء التنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة، إذ أن هذه الظاهرة السلبيّة ومثيلاتها ليس بالإمكان الحدّ منها إلا عبر العمل المنظّم والمتكامل بين الأجهزة الأمنيّة ومؤسسات المجتمع المدني التي توكل إليها مهمة مراقبة السلوكيّات الاجتماعيّة ورصد طرق عملها ووضع إستراتيجيّة واضحة لتجفيف منابعها.
استدرار عواطف الناس هو المدخل الرئيس لأي عملية تسوّل جادة تسعى إلى جني ملايين الريالات في أيام قليلة، لذلك لا نجد رجالاً يتسوّلون بالقدر الذي نجد فيه النساء والأطفال، وهذا عائد لنظرة المجتمع إلى المرأة والطفل، وهو ما يكشف عن أن حالة التسوّل في المملكة ذكيّة ومخطط لها بإتقان، وتعرف جيداً طبيعة المجتمع السعودي وما هي نقاط ضعفه، ولأنه مجتمع محافظ فلن تجد من تتسوّل وهي حاسرة الرأس، بل سترتدي القفازين والجوربين كمؤشر على تدينها لتكسب ودّ المارّة وتحظى بقسمة لا بأس بها من مرتباتهم التي يحصدونها بعد جهد شهر بأكمله.
الإشكال الأكبر في ظاهرة التسوّل العشوائي ليس في سرقة أموال الناس بالباطل أو تشويه صورة المجتمع حضارياً، إنما يذهب إلى أبعد من ذلك وهو تمويل المنظمات الإرهابيّة في الداخل والخارج، وهنا يتحوّل التسوّل من مشكلة اجتماعيّة إلى مشكلة أمنيّة أشد تعقيداً وخطراً على المجتمع، وهذا ما يفسّر حيازة الإرهابيين للأموال الضخمة عندما تُطيح بهم الأجهزة الأمنيّة، إذ يشكل التسول أحد أبرز مصادر التمويل حسب تقارير جهات دوليّة رسميّة.
وبما أن المملكة على أعتاب تحوّل اقتصادي وتنمويّة يتمثل في رؤية 2030 الطموحة، فإنه من الضروري وضع آليّة جديدة لمكافحة التسوّل بكافة أنماطه، يشمل إعادة هيكلة الجهات الرقابيّة، واستحداث جهاز يربط بين المؤسسات الحكوميّة والأهليّة التي يقع التسوّل داخل نطاق اختصاصها، وإقامة حملات توعويّة تكشف الستار عن خطورة إنفاق المواطنين على أولئك المتسولين وتكون الوسائل الإعلاميّة شريكاً في تثقيف المجتمع، ليصبح المواطن جزءاً من منظومة المكافحة لا عبئاً عليها.
الإصلاحات الاقتصاديّة لا ينبغي أن يقتصر دورها على خصخصة الجهات الحكوميّة الكبرى، أو طرح أجزاء منها للاكتتاب أو تنمية صندوق الاستثمارات العامة، بل من الهام أن تتجه كذلك إلى التصدي للصوص المتخفين خلف ظاهرة التسوّل ولا يتورعون عن سرقة أموال الناس علانية وفي أكثر الطرقات بالمملكة شهرة واكتظاظاً بالسكّان.