ياسر صالح البهيجان
فكرة الرقابة الذاتية على الرغم من عدم حداثتها إلا أنها سمة تجذّرت أكثر من أي وقت مضى في الإنسان الحديث كنتيجة منطقية لتطور العلوم التي تُعنى بدراسة الجوانب الأخلاقية في السلوك الإنساني،
وتبدأ عادة من مرحلة التنشئة والتعليم المبكر لدى أفراد المجتمع، وتستمر معهم عبر فرض الدول لسياسات وقوانين تضبط التعاملات البشرية اليومية.
شعور الفرد بأنه جزء من منظومة تطور مجتمعه أخلاقياً، يضعه أمام مسؤولية تاريخية تتلازم مع هويته كإنسان معاصر يحمل الوعي والثقافة كما يحمل أيضاً همّ جعل مجتمعه مجتمعاً راقياً وملتزماً بالمبادئ الأخلاقية دون الحاجة إلى جهة تستخدم معه سياسة العصا التي لا تزال تمارسها بعض الدول.
الاعتماد على جهات رقابية للضبط الأخلاقي دون تطوير وعي الفرد بأهمية أن يكون ملتزماً أخلاقياً بغض النظر عمّا إذا كان يخضع للرقابة من طرف آخر لا يمكنه أن يُنتج مجتمعاً مدنياً حديثاً يؤمن بأن للآداب العامة قيمتها السامية، وأن الوقوف عند حدودها مؤشر على رقيه بوصفه فرداً صالحاً في المجتمع، كما أن هيمنة الجهات الرقابية في الشأن الأخلاقي من شأنها أن تخلق بيئة من التمرّد، خصوصاً من فئة الشباب التي تميل إلى العدول عن ارتكاب الأفعال المشينة أخلاقيا بقرار شخصي منها، معتبرين أي تدخل في تقييم أخلاقهم تجاوزاً يمسّ خصوصيتهم وانتهاكاً لمبدأ حريتهم في اتخاذ القرارات.
عندما تكون صلاحيات الجهة المراقبة لأخلاق المجتمع لا محدودة، فإن ذلك يوحي بأن الناس يعيشون حالة من التخلف الفكري والأخلاقي، وفي المقابل يأتي تقنين صلاحيات تلك الجهات للدلالة على تحول أفراد المجتمع إلى مستويات أكثر تطوراً مع تقدم التعليم وازدياد اطلاعهم واحتكاكهم بثقافات البلدان المتحضرة، ومراعاتهم للضوابط الاجتماعية والثقافية، وتنامي مبدأ الرقابة الذاتية لديهم، وهذا لا يعني عدم وجود تجاوزات لا أخلاقية من فئة قليلة داخل المجتمع، ولكن يشير إلى أن الحالة العامة في المجتمع تتحلى بالانضباط الأخلاقي.
* ماجستير في النقد والنظرية