ياسر صالح البهيجان
ظل التصوّر الغربي السائد عن المملكة محدوداً بالاعتقاد بأنها مجرد مجموعة من الخيام المشيّدة في الصحراء القاحلة والتي لا يسكنها سوى البدو الرحّل، ويقع بجوارهم عدد كبير من الحقول النفطيّة المُدارة من الخبراء الأجانب الذين أتوا إلى هذه البقعة من الأرض سعياً لجني ملايين الدولارات، واستغلالاً لحالة ضعف إمكانات المواطنين الذين يقضون معظم أوقاتهم في الرعي من جانب والتنقل بحثاً عن مصادر للماء من جانب آخر.
تصور المجتمعات الغربيّة عن المجتمع السعودي لم يتغيّر منذ 80 عاماً، إذ إن المصدر الوحيد الذي كان يجسّد حياة مجتمعنا لدى الغربيين هو ما كتبه المستشرقون القدماء عنّا إبان مرحلة تواجدهم في الجزيرة العربيّة، وظلت تلك الصورة تتكرر حتى في السينما الأمريكيّة التي اعتادت أن تبني شخصيّة الرجل العربي بطريقة بدائيّة ومزرية وهو يضع قطعة قماش على رأسه بأسلوب عشوائيّ وينفق الأموال بغباء في أماكن اللهو والمجون، لترسّخ النظرة القائمة على محدوديّة وعي المجتمع وأميّته الفكريّة.
وظل ذلك التصوّر حتى عصرنا الحاضر نظير ضعف قدرتنا على التأثير في الرأي العام العالمي، إذ غالباً ما يكتفي المجتمع في مناقشة قضايا داخليّة تتعلّق بالمرأة واتهامات متبادلة بين أفراده، وتقييم المواطنين فيما إذا كانوا لا يزالون داخل الملّة أم خارجها، دون أن يحظى الرأي الدولي تجاه مجتمعنا بالاهتمام الذي يستحقّه.
علينا أن نعترف بأننا نعاني من نقص في وسائل التأثير الدوليّة، وفي مقدمتها الصناعات السينمائيّة التي لها القدرة على تغيير التصورات الذهنيّة ولولاها لما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكيّة أن تحافظ على هيمنتها على العالم حتى هذه اللحظة، إلى جانب ضعف قدرتنا على جذب السيّاح من مختلف البلدان ليتعرفوا على حقيقة مجتمعنا وإرثه الحضاري الضخم، إذ من المهم أن نكون أكثر انفتاحاً على الخارج مع الحفاظ على خصوصيتنا وأصالتنا وهويّتنا العربية والإسلاميّة، دون أن نغفل أهميّة تأسيس وسائل إعلام تتحدث بلغات أجنبيّة لتتمكن من التواصل مع العالم الخارجي وتوجد أرضيّة صلبة لتغيير المفاهيم الخاطئة عن مجتمعنا.
ورغم ذلك، اتجه الإعلام الغربي مؤخراً إلى الاهتمام بالأحداث التي تجري داخل المملكة، بعد أن استعادت السعوديّة دورها الريادي في منطقة الشرق الأوسط على المستويين السياسي والاقتصادي، ومواجهتها الحازمة لمحاولات العبث بأمن المنطقة عبر إسهامها الفاعل لحل الأزمة السوريّة، وتدخلها لإيقاف الانقلاب الحوثي على الشرعيّة اليمنيّة، وتحولاتها الاقتصاديّة المهمة للتخلي عن الاعتماد على الصادرات النفطيّة، وإيجاد بدائل لتنمية الاقتصاد السعودي في ظل ما تمتلكه المملكة من ثروات غير مستفاد منها.
وكان للرؤية السعوديّة 2030 أهميّة بارزة في التأثير على تعاطي وسائل الإعلام الغربية مع التحولات غير المسبوقة للمجتمع السعودي، إذ تلقّفت تلك الوسائل حديث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كالصاعقة وهي ترى سياسة المملكة تتغيّر نحو التخطيط الممنهج والنظرة الواضحة للواقع والمستقبل، ولم يخفِ محللون سياسيون واقتصاديون إعجابهم بتلك الخطوات والقرارات التي تؤكد بأن السعوديّة تجاوزت نظرتهم القاصرة، وأثبتت قدرتها في المحافظة على قوّتها وتأثيرها ليس على المستوى الشرق أوسطي فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً.