ياسر صالح البهيجان
يعيش الإنسانُ حالة تيه عندمـــا يجهل عمق تراث وطنه وأصالته في ظـــل الصراعات الدائرة على المستوى السياسي والاقتصادي والحضاري، وأكثر الشعوب هشاشة وسطحيّة هم أولئك الذين لا يعرفون قيمة وطنهم من الناحية التاريخيّة، إذ التاريخ ليس مجرد أحداث سالفة؛ إنما هو مرحلة بناء عسيرة تمخض عنها وطن له من العراقة ما له، خصوصاً إن كنّا نتحدث عن وطن يُعد قبلة للمسلمين.
وتضم قائمة التراث العالمي العديد من المواقع الأثريّة في المملكة، منها جدة التاريخية (البلد) في منطقة مكة المكرمة، ومدائن صالح التي لا تزال آثارها باقية في منطقة المدينة المنورة، وحي الطريف في الدرعيّة التاريخية، بالإضافة إلى مواقع أخرى تاريخيّة عريقة تضمها تراب السعودية، كمسجد جواثى في الأحساء المؤسس في العام السابع للهجرة، وقلعة القطيف وقصر إبراهيم، ومدائن شعيب في منطقة تبوك، ونقش تيماء الهيروغليفي الذي يرجع تاريخه إلى ألف عام قبل الميلاد، وغيرها من المواقع التي يعزّ إحصاؤها، والتي يجهل وجودها الكثير من المواطنين والمقيمين في المملكة.
التوعية بالموروث الوطني ليست من مهمّة جهة بعينها، إنما هو دور من الضروري أن تؤديه كافّة الجهات الحكوميّة والأهليّة والمنظمات التي تُعنى بالتراث، ووسائل الإعلام، والمؤسسات التعليميّة في جميع المراحل العام منها والعالي على حد سواء، كما أن عبء المعرفة كذلك يقع على عاتق المواطن الذي من واجبه أن يتعرّف على عمق وطنه التاريخي، ليدرك بأنه يعيش فوق أرض ثريّة في أصالتها، وذات حضارة ليست وليدة اليوم والليلة، إنما تضرب في جذورها لآلاف السنين.
وكذلك لتعزيز السياحة الداخليّة دور بارز في تعريف المواطنين والمقيمين بما تحتويه أرض المملكة من كنوز تراثيّة عتيقة، إذ من الأخطاء الفادحة الاكتفاء بترميم المواقع الأثريّة مع الإبقاء على سياسة منع زيارتها بحجّة المحافظة عليها، فالمحافظة على ما هو تاريخي يكون بواسطة نقله من الأرض إلى العقول عبر إتاحة فرص الزيارات لكافة شرائح المجتمع، والعمل على تجهيز تلك الأماكن لاحتضان المهرجانات الوطنيّة لتكون وجهة سياحيّة حقيقية تجتذب آلاف الزوّار من الداخل والخارج، كحال المتاحف الدوليّة في كافّة بلدان العالم.
ويعتقد بعض قاصري المعرفة بأن الاعتزاز بالهويّة الوطنيّة قد يتنافى مع هويّات أكبر منها كالهويّة العربية أو الإسلاميّة، والحقيقة أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحّة، إذ أن الموروث المتواجد في الأراضي السعوديّة هو موروث لا ينفصل عن العروبة والإسلام، بل يتأسس من خلالهما ويكسب قوّته وأصالته من هذين الركنين الرئيسيين في الثقافة السعوديّة، ولا سبيل لتعزيز الهويّة الوطنية بمعزل عنهما.
معرفة التراث وأصالة الوطن لا تعني إطلاقاً العيش في الماضي وإهمال بناء الحاضر، بل تمثل دعامة لمواصلة التشييد والبناء للحفاظ على عراقة الوطن، كما أن المعرفة التاريخيّة تؤسس لهويّة متينة قادرة على التصدي لأي هجمات قد تسعى للنيل من المملكة أو التغرير بمواطنيها في ظل تزايد أعداد التنظيمات الإرهابيّة الطامحة إلى إغواء الشباب والفتيات ومحاولة تأليبهم على وطنهم واستخدامهم كمعاول هدم مستغلين محدوديّة ثقافتهم وجهلهم بما تمثله السعوديّة من ثقل على المستوى الماضي والحاضر ما يجعل منها ركناً رئيساً من المستحيل زعزعة أمنه أو العبث باستقراره.