د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حيث يمثل الخطاب التنظيمي رافداً مهماً لتنفيذ الإستراتيجيات الطموحة؛ وهو من متطلبات تحديد المسؤوليات في قيادة المؤسسات حتى تصبح في مأمن من الانزلاق في فوضى النتائج. فقد استوقفتني هذه القضية المؤثرة في بناء المؤسسات؛ لكثرة ما يقع في الخطاب التنظيمي من ثقوب تفقد الأعمال رونق النتائج، فحين ترصد الحلول للمشكلات ولا تُحدد المسئوليات ولا يكون أمام المنفذين إلا «إكمال اللازم»، فكل سوف يكمل وفق «لازمه ولوازمه»، كما أن وجود الفكر المسطح في رسم الموقف التطويري وتأطير مكوناته يفضي إلى هشاشة المخرج، وتفكيك ارتباطه الدقيق بواقع المستهدفين، وفي لب الخطاب التنظيمي يقف إدراك الصورة الكبيرة لأهداف المؤسسة في دوائرها ومهامها، ومن ثم إدراك أبعاد القرارات الإستراتيجية الوطنية لازمة أساسية لتحقيق نتائج ناجحة ومن ذلك الربط بين الظواهر والأسباب وبين المقدمات والنتائج؛ وعندما يصبح حديث الناس في مؤسسات العمل المختلفة حول إمكانية حيازة فرص المضمون التنظيمي إلا من كذا وكذا فهناك خلل ما يجب رتقه قبل أن يغادر ساحات المستهدفين، ودائماً ما يدور الحديث حول أسباب الإخفاقات بندرة الفكر، أو انعدامه، وأنه لا يوجد من يمكن أن يوضع موضع المسؤولية، فانعكست تلك الصورة الذهنية على فكر المؤسسات، وكيف ذاك ونحن في وادي عبقر؟!!
والواقع الحضاري اليوم يثبت أنه حينما تتحد قوة المحتوى التشريعي مع متانة الخطاب التنظيمي فلن يكون هناك منفذ للزلل بإذن الله، كما تروي حكايات الفشل أو لعله عدم الوصول إلى بوابات الحياة أن هناك عُزلة من قبل من تقلدوا المسؤوليات عن الفكر المساند معرفياً وتنظيمياً، وأن الانغلاق عن الاستفادة من ذوي العقول ورؤيتهم بعين رمداء دليل تأخر وتخلف.
وفي رؤيتي المتواضعة أن المؤسسات يلزمها أن تولي إستراتيجياتها عناية قصوى حين بناء منصات الإطلاق حتى لا يضل المنتج الطريق ويخبو وهجه من هشاشة البلاغ وعتمة الدرب.
وقد تنجح بعض المؤسسات في رفد الخطابين الإشرافي والتنظيمي بهدف النهوض بمسؤوليات المكان، والفارق أن تلك المؤسسات كانت تستثمر في ذوي الفكر ويظهر الاستثمار من خلال نجاح الأعمال، وتحويل الرؤى الجميلة، ونواتج الفكر إلى نتائج نافعة.
فالنهوض بسياسات المؤسسة التنظيمية قدرة حافزة على التحول؛ وامتلاك القرار؛ والفكر الوارف مفتتح التحول ووسيلة للدخول إلى أعماق المسئول إذا ما كانت بواباته مفتوحة تستوعب الأهمية والنتيجة.
وعلى مستوى الإيمان بأهمية أدوات النهوض بالمؤسسات التي يتصّدرها الفكر الإستراتيجي ذو الكفاءة في صياغة الخطاب التنظيمي باتجاه تحقيق الأهداف، والتعامل الذكي مع العوائق التنظيمية؛ وعند ذلك يكون مناسبا لتأسيس خطاب المسؤولية، وامتلاك خصوصية في قراءة مضمون العمل المؤسسي، وفهم استراتيجيات التحول فهما مغايراً للفهم السائد، والابتعاد عن مصادر التلقي المألوفة.
وأدلفُ إلى خصيصة أخرى للفكر التنظيمي في المؤسسات وهي أن النواتج العقلية ليست ممنوحة لكل من يعمل فيها فالفكر هبة إلهية رافدها علم ودُربة.
ولعلنا لا نتجاوز واقع الحال إن رأينا أن حصاد النتائج في تلك المؤسسات آراء مسبقة، وأعمال مماثلة حتى يصل المنتجون إلى توقعات معيّنة يقبلها واقع المؤسسة وحاضر المسؤول وفق طبيعة ذلك القطاع وطبيعة الفكر عنده؛ أما المستهدفون (ويشرب غيرنا كدراً وطيناً).