د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
جاء رمضان يطرق ذاكرة المسلمين, ليذكروا عهودهم وجدودهم, جاء رمضان ووطننا بخير وأرضه آمنة مخضرة، وقيادتنا الرشيدة تبني الإنسان والمكان وتفجر الرؤى إلى طاقات وبرامج وطنية باذخة, وجاء رمضان ومساجدنا تزيّنت لاستقبال الصائمين, وازدانت مواقع التواصل بالتهاني بين المسلمين حروفا تكتسي بالطُهر, وترتحل إلى رب الأكوان أن يبلّغ المسلمين خيره وإتمامه.
جاء رمضان وحدودنا تطوقها أيادٍ باذلة قوية تحب الوطن, وتعشقه ليبقى مهوى أفئدة المسلمين, ومحضنا للحرمين الشريفين ومقصدا للحجاج المسلمين من كل أصقاع الدنيا.
حمل شهر رمضان عذوبة في العبادة ونمير مائها, وليالي رمضان طرائق فائزة, وأيامه بحار لحيازة الأثمان الغالية من أصدافه, و شهر رمضان عبادة وإصلاح وصلاح, ومراجعة للأوراق, وإصلاح للآفاق بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
رمضان أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينّات من الهدى والفرقان، وتسامٍ في الخلق, ودعوة إلى التآزر والتعاون والرحمة.
شهر رمضان شهر القوة والعمل, يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- (شهر رمضان لم يكن شهر راحة واسترخاء وفيه من الفضائل ما يشحذ الهمم والبذل).
شهر رمضان وسم ُاجتماع للمسلمين نتذكره ونعيشه كل عام, ونعي أن ما يجمع المسلمين أكثر مما يفرقهم, وما يوحّد قلوبهم أكبر مما يباعدها؛ ويتقاطر العقل يقينا تزدان به صحائف رمضان, ويعبق الشعور فخرا بأن منّ الله علينا والمسلمين ببلوغ الشهر الكريم وصيامه وقيامه, وها هي نفوس المسلمين تفيض صفاء ونقاء في هذه الأيام المباركة.
وللعبادات فروض وواجبات, وللصيام في شرائعه مثلها, وهذا في إهاب المسلمين وعقولهم, وعند ذاك فإن الأرواح المضيئة تلاقي آفاق العالم لتتحدث عن المسلم في صومه, حيث تواشج المشاعر بين المؤمنين والبذل والصدقة, وإحياء السنن, وتفطير الصائمين, وتبادل الصلة والتواصل؛ وإنفاق الساعات في البر والعبادة وتلاوة القرآن.
وحسبنا روعة وجمالية أن الله سبحانه وتعالى أحاط شهر الصوم بالهدى, وفيه توجيه للمؤمنين أن يحسنوا في افعالهم واقوالهم, وأن يأمروا بالمعروف أينما كان موقعه وحجمه, وأن تصبح العبادة يقينا تملأ مرتكزات العمل ودوائره ومحيطاته, وأن يكون الشهر الفضيل سبيلا للتعاون والتواصل بين المسلمين في بلدانهم المختلفة وداخل محيط الوطن الواحد.
شهر رمضان مصنع وافر لطاقات النقاء الروحي, تصفو به النفس من الحسد والوجدان من الغل ..
هذه صباحات رمضانية باذخة بكل الروحانية, تشرق شموسها على المسلمين, ليكونوا إخوة يشدّ بعضهم بعضا, ويقفوا صفا واحدا ضد المعتدي الأثيم, ويمدوا خمائل السلام فوق أراضي الأوطان, ليكونوا كما قال اللطيف الخبير {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (110) سورة آل عمران
إن شهر الصيام يمنح المؤمنين طاقات استثنائية لها وجوه كثيرة يُشترى بها لقاؤه عز وجل, وتنتظر مواعيده كل عام أمنيات بمسلم يبني من خشوعه فصوصا من الدرر أثمنها البر والاحسان وكثير من القراءات الوارفة عن أهداف الصوم ومقاصد تشريعه من اللطيف الخبير..
لشهر الصوم تحملنا القلوبُ
وبالدعوات تنعشنا الطيوبُ
نؤمل من رحمات الرب فيضا
من الجنات غُنمٌ ونصيبُ
أهنئكم وفي الأعماق توقٌ
لقاء الصوم أعواما يؤوبُ