د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إن مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي تفضل بها -حفظه الله- بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك حُزم مستمدة من عقيدة صافية تحمل في مضامينها شموخ قيادة واعتزازاً أصيلاً جلياً بما خص الله به بلادنا من فرائد الوجود، يقول حفظه الله «نشكر الله جلّ وعلا على ما خصّ به هذه البلاد من خير وفضل ومكانة ورفعة؛ فهي مهبط الوحي، ومنها انطلقت مشاعل النبوة الهادية إلى الحق المبين...) وفي جوانب تلك الكلمة الضافية نحتفي برؤى ملك مُلهم في وطن شامخ، إيمانا وثقة بالله عزّ وجل، ثم بعزائم قيادة تألف القيم، وتشعل جذوة الحياة، وتنمّي بذور الإصلاح والصلاح، ويشرق في بلادنا المنهج المستند إلى عقيدة الإسلام الصافية صفوفا فريدة من المشاعل التي تنير العقول والأبصار بما يسكب ذلك المنهج من رؤى منتقاة من واقع إيماني حقيقي لبلاد احتضنت فوق ثراها مقدسات، وآزرت في سبيل ترسيخ العقيدة طروحات، واقامت منصات، وانتصرت لنداءات الحق فنصرت جيرانها؛ وتدفّقت خيراتها في مشارق الأرض ومغاربها.
إن في ذلك الثبات على المبادئ وانطلاقه من المنهج الإسلامي في بلادنا جملة من الاستبصارات جديرة بالوقوف عندها، والحديث عنها بتفاصيلها للأجيال الحاضرة والقادمة؛ وأن تشتعل الأقلام بأنوارها لتضيء دروبهم بحكايات عن المكتسبات التي توالت وما انزوت يوما؛ وبروايات مخضلة عن ثنائية تشكيل المكان والمكانة بلادنا تلك الرقعة الممتدة في قلب صحراء ،كانت تتوسل المياه من القيعان البعيدة وما لبثت أن أصبحت ألوانا براقة من المنجزات الخضراء النامية، تمتزج مع نسيج من حدب وإخلاص وقوة ضاربة في الحكم تُستطاب مراكبها وتشتعل فيها شموس الحياة.
نعم، الحقيقة الجلية أن قيادتنا الرشيدة سارت على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فتربعت على متون عكست مراياها واقعا مشرقا لا يأفل ضوؤه:
قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (سورة الأعراف آية32)
إن ذلك المستراد الإيماني الذي تسير عليه بلادنا وقادتنا أحاطه إحكام العزم والعزيمة، والنأي عن التعقيد في الاستفادة من الآخر للالتقاء والتقاط جذوات متممة للحياة الكريمة، ونمت مع ذلك مظاهر الاعتزاز بالدين، والتعهد بحماية مصادره بعد الله والمحافظة على مقدساته فأتاح ذلك فضاءات واسعة للتفكير، والارتواء من شتى المناهل، وطفقت الأجيال تتسابق إلى اتباع النماذج المضيئة، وثبتت عندهم فكرة ترابط السابق باللاحق، حيث إن قوة الإيمان توقد في أذهانهم مبدأ التماسك، واتصال الحكم بالله، وتدفق السلسبيل المخصب للفكر التنموي، والرافد الحضاري والسيادة العادلة التي مكّنت وطننا من تحقيق التطلعات، وبلورة الأحلام إلى حقائق:
وهنا لن أتحدث عن الخبرة المعرفية في مجال العقيدة والشرع؛ فمع إيماني العميق بأن لله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وأن عقيدتنا هي منطلق لكل سبيل قويم ننتهجه ونسير عليه إلا أنني لا أدّعي المعرفة التامة في تلك العلوم سوى التأكيد المطلق أن الميثاق العظيم الذي اتّحد في عهود ملوكنا منذ عهد المؤسس رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين ملكنا سلمان -حفظه الله- هو ميثاق العقيدة الصافية؛ وأن المنجزات الوطنية والحضارية، وإن تلوّنت أو اختلفت مشاربها قد تلبّست بالقيم الإيمانية منذ تأسيس لبناتها؛ وصياغة وثائقها إلى أن أشرقت وأعلن عن مسالكها، وسبل الاستفادة منها.
والخلاصة أن لكل عهد إضاءات أرى أهمية توثيقها للأجيال ليروا الامتداد العظيم، ويحسنوا تشكيل زمنهم، وتنظيم أنفسهم وفق متطلبات تلك الأزمنة المورقة بإذن الله؛ فلكل عهد تاريخ والعقيدة ما فتئت سامقة ممتدة في عهود بلادنا المبصرة.
بوح في نوافذنا المضيئة:
أقاموا على أرض الجزيرة وحدة
هُداها بمسّتن الهُداة ونورها
إذا قسط الحكام واستحكم الهوى
فبالعدل والتقوى تساس أمورها