د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لن أنقل القارئ الكريم في هذا المقال إلى هوادج اللغة المصورة، حيث سأتحدث عن حضور مختلف للثقافة في بلادنا في موكبها الجديد «الهيئة العامة للثقافة» التي اعتمدها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في مستهل هذا الشهر ووقفنا تبجيلاً للقرار الحكيم والتفتنا لذلك المكون الجديد للفكر المجتمعي الراقي نطلب منه أن يقدم لنا الامتيازات من خلال امتلاك التصور الأكمل لمفهوم الثقافة.. فمن يتحدثون عنها لا يملكون الاستقراء الأمثل لذلك المفهوم، فما زالت الثقافة المكتوبة هي متنفسنا الأكمل!!.. وذلكم من عاداتنا التي توارثناها؛ غير أن الحقيقة أن ترسيخ منهجية الثقافة يحتاج إلى استراتيجية تعتمد على (المثاقفة) وليس (التثقيف).. وقد أثبت الواقع التطبيقي بأن التثقيف المعتمد على المرسل والمستقبل لا يمكن أن يحدث فرقاً في ذهنية الأفراد مالم يقترن بدوائر النقل المتبادل وأن يلامس حاجة الطرفين؛ وبما أننا في طور الاحتفاء بالهيئة الوليدة والاقتراب من سواحلها، فإن لذلك طقوساً ودروباً منها: أن تجريد الثقافة عن واقع الناس وأد قبل ساعة الميلاد, وتواري النموذج المثقف ليسُنّ السنن الحسنة، فقد للمحفز والداعم وغموض التصنيف الثقافي ومكوناته الفكرية, وهن آخر للفكر الثقافي الصحيح, وضحالة المنتج لقصور الوعي عن الأهمية والحاجة خسارة مدوية, والأخبار الخجولة عن المثقفين ونبضهم, وأنديتهم وجمعياتهم واجتماعاتهم وما يقولون ويفعلون؛ شروع في دفن الثقافة وخواء دارها ثم نأتي للخطاب الثقافي اليوم في كثير من صياغات الطرح حين يتحدث المتحدثون ولا نعلم هل يتحدثون في أيامنا هذه أم في أيامهم تلك؟! والحاضرون بين فريقين؛ من يلاحق أنفاسه ويكاد يحبسها عندما يقسو المتحدث في انتقاده لجيل الناشئة أمامه؛ وفريق كأن على رؤوسهم الطير يحلمون بالنهاية لصالح (غزيّة) التي ربما تكون قد غوت!!
فمن الطقوس الملزمة لهيئة الثقافة الجديدة أن تفصل بين قيمة الثقافات الماضية وما يتطلّبه الحضور الثقافي اليوم من قيمة جديدة, كما يتطلب الواقع من الهيئة الجديدة التقاط الإيجابيات في منصات الثقافة القائمة ومن ثم البحث عمن يكفل لنا وفرة ثقافية محفزة للتفكر الإبداعي الملهم لدى أجيالنا اليوم وذلك باستجلاب تصور حديث من ملاحمنا الثقافية عبر العصور المختلفة ومن ذلك الشروع في تعصير التراث الثقافي المكتوب ليكون قناة داعمة لتطوير ثقافة النشء مما يؤسس لعلاقات ثقافية مثيرة بين الأجيال فأجيال اليوم تغيب عن كل ثقافاتها السابقة والممتدة إلا اللمم, وقبل ذلك ينبغي للهيئة الجديدة النظر بعين فاحصة في المحصول الذي يتوافر لثقافة اليوم ومصادره؛ وهل هي جداول نقية صافية؟ ثم ما هي علاقتها بالنمو العقلي والوجداني ونشر ثقافة الخلق القويم، وإشاعة المحبة، وزرع مساحات خضراء تورق فيها النفوس وتندفع للبذل والإيثار؟.
وأحسبُ أن الزمن والضرورة والحاجة تلزم باستحداث الوقف الثقافي وتشجيع مصادره ورفد قنواته بتنظيم مرن يحقق أهدافه وأن تكون هناك مراكز ثقافية حكومية وأخرى خاصة للأفراد والمؤسسات ممن يملكون مفاتح الثقافة ويجيدون قيادتها يتفرع منها لجان ثقافية في الأحياء كما أن ضرورة الحضور الثقافي أيضا ترقُب مسارح عامة وخاصة، وصالات للفنون التشكيلية ويلزم أيضاً تحفيز الواقع الثقافي القرائي بإعادة صياغة نظام المكتبات العامة وتحويلها إلى مؤسسات مجتمع مدني مستقلة كاملة التشكيل المؤسسي، وأن يسن لها نظام يمكنها من إدارة القراءة وصناعة المجتمعات القارئة فذلك التحول يجعل من تلك المؤسسات الثقافية كيانات قوية تستولد لها فروعاً في مواقع مختلفة فيزهر واقع الكتاب السعودي في المحافل المحلية والدولية ويعكس ثقافة البلاد عامة، وتلك حزم من دروب شتى متاحة للهيئة الوليدة لتلبي احتياجاً أزلياً لحياة العقول لتكون ممارسة تلقائية تؤسس لبناء الرأي السليم فالثقافة وإن كانت مكتسبات فردية فهي دعائم مجتمعية لتحفيز الفكر وذخائر مفضلة بدرجة عالية في مراحل الزمن المختلفة، إذا ما صفت مواردها, وأُحسن إليها ممن يقود مكوناتها.