سعود عبدالعزيز الجنيدل
يضرب النحاة مثالاً لتوضيحهم لعلة المجاورة، فيقولون:
«هذا جحرُ ضبٍّ خربٍّ»
يقول النحاة في إعراب كلمة «خرب» إنها مجرورة بالمجاورة، إذ لا يوجد مبرر لجرها غير المجاورة، والأصل في كلمة «خرب» - كما يعرف أي نحوي - الرفع؛ لأنها صفة للجحر، والصفة تتبع الموصوف، لكنها تأثرت بجر الكلمة المجاورة لها، وتبعتها في حكمها الإعرابي.
في مقالي هذا لن أسبر غور هذه المسألة، لكني سأستفيد من علتهم «علة المجاورة».
المتأمل للمقدمة السابقة يدرك أن الكلمة «خرب» - وهي مجرد كلمة لا روح ولا نفس لها - تأثرت بالمجاورة؛ فمجرد مجاورتها لكلمة «ضب» جعلها تترك الأصل وهو الرفع، وتأخذ الجر، فما بالك بالبشر؟!
أنا أؤمن تمامًا بأن الفرد أيًّا كانت شخصيته يتأثر بمن حوله من الأصدقاء؛ ولذلك قالت العرب:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وأيضًا قال الحكماء: قُلْ لي من تصاحب أقُلْ لك من أنت.
فاختيار الأصدقاء مهم جدًّا، ولا بد لك من اختيارهم بعناية فائقة.
وبالنسبة لي فأنا أرى أن الصديق يجب أن يتحلى بأمور عدة، منها:
الطموح: إذ من المهم أن يكون طموحًا، ويسعى لتحقيق هذا الطموح.
* التفاؤل: ولا أحبه أن يكون متشائمًا.
* حسن الرأي: فعندما أشاوره في أمر ما يقنعني، ويدلني على الطريق الصحيح.
* الرغبة في تطوير الذات: وهذا سينعكس علي بكل تأكيد.
*الاستقامة، والالتزام؛ ليحثني على فعل الخيرات.
* النصح الصادق؛ فيقدم لي النصيحة، ويكون بمنزلة المرآة لي؛ أرى فيها انعكاس تصرفاتي.
هذه بعض الأمور التي أراها، وأثق كل الثقة بأنكم تملكون أمورًا غيرها.
أما الأشخاص الذين لا أستفيد منهم في شيء فهؤلاء أعاملهم كما أعامل الدواء الذي لا بد منه؛ إذ إني أتعامل معهم بحذر، وأتعامل معهم بنظام جرعات الدواء؛ إذ أتقيد بالجرعة المناسبة، ولا أُكثر منها؛ حتى لا أصاب بمضاعفات، تأتي بنتيجة عكسية.
فالدواء - كما تعرفون - يُصرف لعلاج مرض ما، ويحدَّد بوقت معين، وجرعات معينة.. فلو اضطررت للجلوس مع أشخاص لا تستفيد منهم، لكنك مضطر للجلوس معهم، فتذكر مثال «الدواء»، ولا تكثر الجرعة.
وتذكروا قول الله تعالى: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}.
ولو اعترض على مثالي أحد ما - وما أكثرهم - فسأجيبه بأني قصدت طريقة تناول الدواء، ولم أقصد الدواء بعينه؛ إذ إن الدواء - كما يعرف العقلاء - يحتاج إليه الجسم حين يصاب بمرض ما - عافانا الله وإياكم من كل مرض -.
فدائمًا احرص على انتقاء الأصدقاء، ولا تربط نفسك بصداقات قد تؤدي بك إلى التهلكة.
إلى اللقاء.