ابراهيم المعطش
بينما كان شهر شعبان من عام 1437هـ يلملم أطرافه، ويحزم أمتعته، متأهباً للرحيل، ليفسح المجال لشهر القرآن، شهر التوبة والغفران، كان أحد رواد التعليم والتربية في محافظة شقراء أيضاً يتأهب الرحيل، وينوي مغادرة دنيانا إلى الدار العامرة، ليترك فراغاً كبيراً يصعب ملؤه، وثغرة عميقة ليس من السهل سدها.
حيث كانت روح الشيخ محمد بن عبد الله المانع، مدير تعليم الوشم سابقاً، ورائد التعليم في محافظة شقراء، تفيض إلى بارئها بعد 86 عاماً من العطاء أمضى جلها في خدمة التعليم وخدمة الوطن وتربية الأجيال، وترك بصمته الواضحة الراسخة على جبين التربية والتعليم في شقراء وما حولها.
نعم رحل عنا مع خواتيم الشهر الفائت رجل ستظل ذكراه خالدة عبر الأجيال بما تركه من إرث علمي وتعليمي وتربوي، ومن مواقف ثابتة وناصعة، وبما خطه من علوم نافعة ستظل تذكره بعد موته، وينتفع بها الناس من بعده، فضلاً عن الذكرى الطيبة التي تمثلت في أبنائه الذين أحسن تربيتهم وتعليمهم وأصبحوا مرآة تعكس الأدب والخلق الجميل.
لقد رحل عن دنيانا خلسة ذلك الرجل الكريم الفاضل المتواضع المحب للعلم والعلماء، والمجتهد في طلب العلم وتعليمه للأجيال، رحل في هدوء تام مثلما كان في حياته هادئاً وفاعلاً وراقياً في تعامله مع الآخرين، يحمل قلباً رقيقاً محباً لفعل الخير ومحباً لكل الناس ومحباً للوطن، وذلك من خلال ما قدمه من جهد وعلم ووفاء وإخلاص في العمل طيلة مسيرته العملية التعليمية التي انتفع بها كثير من الناس.
انتقل الشيخ محمد المانع إلى رحمة ربه تاركاً وراءه سيرة زاخرة بالمواقف الفاضلة والذكرى الطيبة العطرة والقيم والأخلاق الحميدة والكرم والعادات الجميلة، ورصيداً وافراً من العلم والمعرفة سواء في بطون الكتب أو في صدور الرجال، وبرحيله افتقدت المحافظة وما حولها رجلاً كان يحمل الكثير من الخصال الطيبة فهو ذو مروءة ونخوة ومكانة رفيعة في مجتمعه ومحيطه ممن كانوا يجدون لديه طيب القلب والروح، وحب الخير لكل الناس، ونظرته للحياة التي تتسم بالتسامح وحسن المعشر، وبذل الجهود من أجل العلم، ومرافقة العلماء، والاستزادة من العلم وتوريثه.
لقد ترك رحيل الشيخ المانع جرحاً غائراً في القلوب، وحزناً عميقاً في النفوس، تتسع دائرته بقدر ما قدم من العلم، وبقدر ما ربى من الأجيال، وبقدر ما خلف من المواقف الخالدة، لأن فقد أمثاله يترك أسى كبيراً، وخسارة فادحة، ويترك ثغرة تحتاج من يملأها ويسدها بذات المقدار وبنفس الروح والأريحية، ويقوم بهذا الدور الذي كان يقوم به طيلة حياته.
هذا الرجل الكريم لم يفقده أهله وعشيرته وحسب، بل فقده الوطن وفقده التعليم، وفقده كل من كان يعرفه، وكل من تعامل معه، وكل من نهل من علمه الذي يشهد عليه التاريخ ويسطره في صحائف تثقل موازينه بإذن الله تعالى.
رحم الله الشيخ محمد بن عبد الله المانع رحمة واسعة وجعله في أعلى عليين وأثابه بقدر ما قدم من خير وبقدر سخر جهده وماله ووقته من أجل العلم، وضاعف له أضعافاً مضاعفة بفضله وكرمه وجوده إنه ولي ذلك والقادر عليه، نسأل الله أن يتقبله قبولاً حسناً وأن يكرم نزله ويوسع مدخله ويغسله بالماء والثلج والبرد، وينقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يجعل كل ما قدمه من أجل العلم والمجتمع والوطن في ميزان حسناته، ويبارك في ذريته إلى يوم الدين، وألا يحرمهم أجره ولا يفتنهم بعده، إنه غفور رحيم.