عبدالله بن محمد السعوي
الاندفاع اللامسؤول وعدم استصحاب منهجية التثبت كثيرا ماعرّض النسيج العام للتهتك وأغرق الوعي في جدليات التكفير والتلاسن وتبادل التهم؛إن عدم التثبت من جهة والاسترسال المفْرط وراء الشعور الوهمي بتملك الحقيقة المطلقة في القضايا ذات البعدالنسبي من جهة ثانية هوالذي فتح باب التكفيرعلى مصراعيه حتى وُجد من يكفر باللوازم, فلازم القول قولٌ وفقا لهذه الذهنية الانتقائية مع أن كثيرا من العلماء قد حكى (اتفاق) أهل السنة على أن اللازم لايلزم مالم يتم التصريح بالتزامه انظرمثلا(بداية المجتهد 343/2)لابن رشد و(الاعتصام197/2)للشاطبي و(فتح المغيث 344/1)للسخاوي و(العلم الشامخ 412)للمقبلي و(مجموع الفتاوى 217/20)لابن تيمية
لقد خاض كثيرون في هذاالمجال ودخلوا في هذاالنفق المظلم والتاثوا بمستنقعاته مشتغلين على تجارب تكفيرية متنوعة غيرآبهين بمايترتب على هذاالتوجه التكفيري من تداعيات بالغة الخطورة ومن استرخاص سفك الدم جاهلين أومتجاهلين الفرق الشاسع جدا بين الكفركوصف وكحكم شرعي,وبين التكفيركتحقيق مناط يجري إنزاله على المعين إذ من المعروف أن ثمة فروقا بين الفعل والفاعل هناالعلاقة العضوية منتفية إذقد يثبت وصف الكفرللنوع لكنه لايثبت للعين الذي قد يلزم استبقاء أصل إيمانه حتى ولوتوافرعلى مقتضيات التكفير ولايُعامل بخلاف ذلك إلا بتوفرالشروط وانتفاء الموانع وقيام البرهان وظهورالحجة إذ قد يتلبس بالكفر من يتعذر قيام الوصف به وليس ثمة تلازما بين العين والنوع, بين الكفر والتكفير ولوكان ذلك كذلك لتجلت مصاديقه في تفاصيل السلوك النبوي خصوصا وأن العهد النبوي شهد ضروبا من الوقوعات والمواقف والمقالات المتلبسة بالكفر الصريح بل وثمة من المؤمنين من تلبس بأفعال من قبيل مايوصف في الأدبيات السياسية المعاصرة بالخيانة السياسية كمن عمل على مظاهرة الكفار على المسلمين تحاشي الوقوع الأذى على أهل بيته, أوكمطالبة بعضهم بأن يجعل لهم ذات أنواط ممن كان عديم المعرفة بلوازم ذلك ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم - لابفعل ظروف مرحلية مؤقتة وإنما كمبدأ منهجي عام - عمل على تحامي إسقاط وصف الكفر على من تلبس بموجباته من أهل القبلة فلم يكن تكفير المعين ذائعا في المجتمع النبوي بل ترك صلى الله عليه وسلم قتل الذين تلبسوا بالنفاق وتحامى التنكيل بهم أوإجراء أحكام الكفر عليهم رغم مواقعتهم لأسبابه وأجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر ووكل ماتنطوي عليه ضمائرهم إلى الله ولم يتم إسقاط الوصف بالتكفير ومن ثم ترتيب آثاره عليه كاستحلال الدم إلا على عبدالله بن أبي سرح رضي الله عنه حينما اعتنق النصرانية ثم عاد فأسلم وحسن إسلامه.