إبراهيم بن سعد الماجد
على رغم ما يشكله التنظيم الإرهابي (داعش) من خطر متنام على المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام إلا أنه لا يوجد دراسات دقيقة حول عمله ومصادر تمويله، وآلته الإعلامية الكبيرة التي لا يمكن أن تكون دون دعم من قوى دولية كبيرة.
ولعل إعلام هذه الجماعة الإرهابية هو أكبر شيء يثير علامات التعجب، كونه إعلام احترافي متقدم، وكذلك تعدد وسائله ولغاته، فهذا التنظيم يملك سبع مؤسسات إعلامية متخصصة رسمية، لها نشاطها الكبير، كما أن هناك خمس مؤسسات أخرى غير رسمية، لكنها تُعد ذراعاً إعلامياً قوياً لهذا التنظيم.
ومما يؤسف له أن العالم وخاصة دول المنطقة لم تواجه هذا الإعلام بإعلام مضاد قوي يدحر هذا الفكر الشرير الذي لا ينتمي للدين الإسلامي، ولا للأمة الإسلامية.
في دراسة صغيرة الحجم عميقة المعلومة أصدر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية دراسة للباحث محمد العربي عنوانها: دعاية الإرهاب.. إعلام تنظيم داعش واستراتيجية عمله، والباحث يعمل في وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ومحرراً مشاركاً في مجلتي (مرصد) و(أوراق) بالإضافة إلى عمله باحث في كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة.
(حاولت هذه الدراسة الاقتراب من جانب مهمّ من جوانب الصراع الدولي مع تنظيم داعش، وهو حربه الإعلامية التي يشنّها مع محاولاته التوسّع على الأرض ومجابهة القوى الدولية والإقليمية المحيطة. وتنطلق الدراسة من الإعلام بوصفه أداةً مهمةً في الصراعات الدولية الحديثة، وترصد ظاهرة إعلام التنظيم من خلال رصد تطوّر الأدوات الإعلامية لدى الحركات الجهادية منذ سبعينيات القرن الماضي؛ لمعرفة مدى التطور اللافت للانتباه الذي حقّقه التنظيم الذي يحاول تجذير وجوده بوصفه دولة الخلافة. وتركّز الدراسة في تحليل بنية إدارة الإعلام داخل التنظيم، واستراتيجية عمل أدواته، التي تتنوّع بين الرسائل المصوّرة والصوتية والمُخرجة بتقنيةٍ عاليةٍ تستهدف الشباب من مختلف أقطار العالم؛ فقد استطاع التنظيم من خلال بنية تنظيمية مركّبة تجمع بين التراتبية الهرمية والشبكية غير المركزية أن يحشد كثيراً من المتطوعين والعاملين والهواة في خدمة إستراتيجيته الإعلامية. وللإلمام بعوامل الجاذبية التي تحملها رسائل التنظيم تقترب الدراسة من محتوى بعض هذه الرسائل التي تعدّ بالآلاف من خلال تحليل مضمونها في سياق المسوّغات السياسية والدينية التي يسوقها التنظيم لممارسة نشاطه الإرهابي؛ فقد استفاد التنظيم من التطور الحادث في تقنيات الصورة، وتصاعد تأثيرها في الوجدان البشري، وعولمة الأخبار والأفكار والآراء. وعلى الرغم من الحمولة الفكرية المتطرفة للتنظيم، النابعة من فقه التكفير والانغلاق الأيديولوجي، إلا أن استغلاله شبكة الإنترنت يمثّل أهم موارد تجنيده وعناصره؛ لذلك تحاول الدراسة التركيز في نشاط التنظيم على الشبكة العنكبوتية، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشكّل الساحة الأهم للتفاعل الافتراضي بين الشريحة الأكبر من مستخدمي شبكة الإنترنت، وتوضّح طرائق تعامل التنظيم مع المواقع المختلفة، وكيفية اختراقه الحسابات وممارسة القرصنة الإلكترونية، بوصفها جزءاً من حربه الإرهابية التي يشنّها على العالم. وتحاول الدراسة في النهاية الاقتراب من إشكالية مواجهة التنظيم إعلامياً، والأنماط المنظّمة والعفوية التي تتّخذها هذه المواجه).
تتحدث الدراسة عن:
1 - التطور التاريخي للدعاية الجهادية.
2 - إدارة الإعلام في تنظيم داعش.
3 - مؤسسات تنظيم داعش الإعلامية (المؤسسات التابعة للتنظيم، المؤسسات الداعمة للتنظيم).
4 - التقنيات الهوليودية.
5 - مجلة دابق.
6 - وسائل التواصل الاجتماعي.
7 - القرصنة الإلكترونية.
فعن التطور التاريخي للدعاية الجهادية يقول الباحث: يعد تنظيم داعش في الواقع على الرغم من استهدافه اكتساب الشرعية الدينية واستناده إليها بناء سردية جهادية إسلامية خالصة، وريثاً شرعياً لتطورات هائلة لعدة روافد ساهمت في إنجاح حملاته الإعلامية التي تنتمي إلى عالم الدعاية الشمولية أكثر منها إلى الدعاية الحركية أو الإرشادية إلى حد بعيد إلى الآن على الأقل.
وهذا القول يصدقه حال التنظيم الذي يعمل من خلال آلة إعلامية لا شك أنها مؤثرة، بل ومؤثرة جداً، خاصة إلى علمنا بأن الجيل الحاضر جيل إعلام بالدرجة الأولى، وخاصة الإعلام الجديد بكافة صوره وأشكاله.
فإذا كانت الحركات الجهادية الأصولية التي انتشرت في عالمنا الإسلامي بأشكال وصور ومذاهب مختلفة كانت تعتمد على السرية وعلى التظليل، فإن حال هذا التنظيم يختلف كلياً عنها كونه يركن إلى إعلام متقدم في بعض تفاصيله نوعاً من إرهاب المتلقي الذي صار جزء من هذا التنظيم.
ويشير الباحث إلى ما ظهر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بما سمي بالجهاد الإلكتروني أو السيبيري cyber -jihad الذي يشير إلى المشاركة في عمليات عبر الإنترنت في إطار المعركة الإعلامية ضد الغرب، وأعداء الإسلام، والنظم الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي.
تشمل هذه العمليات: القرصنة، والاختراق، والتخريب، والمشاركة في نشر الخطاب الجهادي عبر المنتديات والوسائل الأخرى، ونجحت القاعدة والتنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية التابعة لها في اجتذاب عدد من المحترفين، الذين وضعوا مهاراتهم في خدمة التنظيم وأفكاره.
وهذا بكل أسف ما حصل في غفلة أسرية ومجتمعية عن هذا الخطر القاتل، الذي تسبب في كثير من مصائب وفواجع الأمة، فما حصل هو أن هذه الجماعات تخاطب المستهدفين بلغة تعرف أنها قادرة على استقطابهم من خلالها، ألا وهي اللغة الشرعية وأن هذا التنظيم قام من أجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وهذا الأسلوب يدغدغ مشاعر الرعاع من الناس، وأصحاب العقول الضعيفة في علميتها وفهمها للنصوص الشرعية.
ولو لمؤسسات تنظيم داعش الإعلامية لوجدنا كم من المؤسسات الاحترافية التي تقدم أعمالاً إعلامية مختلفة، منها المرئي والمسموع والمقروء، بل أن التنظيم ينتج أفلاما هوليودية أي صناعة فلمية متقدمة جداً.
مؤسسات التنظيم الإعلامية الرسمية، سبع مؤسسات هي:
1 - مجلة دابق وهي مجلة ورقية تطبع في سوريا والعراق باللغة الإنجليزية، ومتاحة على الإنترنت.
2 - مؤسسة الفرقان وهي مؤسسة إعلامية متكاملة مقرها نينوى بالعراق.
3 - مؤسسة إعلامية شاملة كذلك، ولكنها تستهدف المقاتلين غير العرب.
4 - مركز الحياة وهو كذلك مؤسسة إعلامية شاملة كافة إصداراتها باللغة الإنجليزية.
5 - مؤسسة أجناد وهو متخصص في تسجيل خطاب وبيانات زعماء التنظيم.
6 - قناة الخلاقة، قناة فضائية لم تبدأ البث بعد.
7 - إذاعة البيان، إذاعة محلية تبث باللغة العربية ومقرها مدينة الموصل.
كما يوجد قنوات إعلامية غير رسمية لكنها تُعد من الإعلام الداعم للتنظيم، وهذه القنوات هي:
1 - البتار حساب على موقع بلو جسبوت للمدونات.
2 - المنبر الإعلامي وهو منتدى تفاعلي على الإنترنت.
3 - إصدارات الخلافة وهو عبارة عن مدونة.
4 - مؤسسة غرباء وهو كذلك مدونة.
5 - أخبار الدولة الإسلامية (حق) وهو عبارة عن قناة على اليوتيوب.
هذا الزخم من الإعلام مختلف المنتجات لم يقابله للأسف إعلام يفضحه ويكشف زيفه وسوء فكره، مما جعله يرتع ويلعب بأفكار الشباب المسلم، بل وجر الشباب غير المسلم إلى حضيرته النتنة.
وللتنظيم تواجد مكثف على الشبكة الاجتماعية تويتر، وهذا التواجد له كتنظيم وللمتعاطفين معه، فبحسب دراسة نشرها معهد بروكينجز الأمريكي فإن للتنظيم وللمتعاطفين معه أكثر من 46 ألف حساب على تويتر، وهذا رقم كبير لم يقابله إلا عدد يسير من الحسابات الموجهة لدحر هذا الفكر الضال.
حساب معاً ضد الإرهاب والفكر الضال الذي أطلقه أمير القصيم الدكتور فيصل بن مشعل قد يكون هو الحساب الأميز في هذا الاتجاه، ولذا أشار إليه معالي وزير الخارجية عادل الجبير في مقالته المنشورة في مجلة (نيوز ويك) الأمريكية، وهذا يؤكد حاجتنا إلى المزيد من الحملات الإعلامية وخاصة في مجال الإعلام الجديد كونه الإعلام الأكثر تأثيراً في هذه المرحلة، وهذا الحساب أعني (معاً ضد الإرهاب والفكر الضال) الذي يُعد حملة شاملة تفاعلت معها كافة القطاعات الحكومية والأهلية في منطقة القصيم بشكل لافت من خلال لقاءات ومنشورات ومحاضرات ومنتجات إعلامية مختلفة، يؤكد بأن المجتمع يرحب بأي فكرة وأي عمل هادف يقوم عليه من يؤمن به ويدعمه، كما حصل من سمو أمير منطقة القصيم.
وبعد..
من المؤسف حقاً أن تكون حملة العدو بهذه الشراسة والأمة شبه غائبة في إعلامها عن مجابهة هذا الخطر، فخطر هذا التنظيم والتنظيمات الأخرى المشابهة له لا يقتصر على منطقة دون أخرى، ولا دولة دون أخرى، فالكثير من الأحداث الإجرامية في وطننا العربي والإسلامي بل وفي بعض أنحاء العالم الغربي لتنظيم (داعش) يداً فيها.
إنني أعتقد جازماً لو أن مؤسسات الدول الرسمية وغير الرسمية رسمت لها إستراتيجية واضحة المعالم لمكافحة هذه التنظيمات وأفكار هذه التنظيمات بالتعاون مع المؤسسات الشرعية ذات الأثر الكبير لحققنا نتائج مهمة في تغيير المفاهيم المغلوطة عند الشباب، وللحق فإن للأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة في الآونة الأخيرة جهود تذكر في بث الفكر السليم عبر حسابها على تويتر وبلغة علمية مميزة، لكننا في حاجة إلى أكثر من جهة.