إبراهيم بن سعد الماجد
لاشك أن الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في جلسته المنعقدة يوم الاثنين 23 شعبان 1437هـ الموافق 30 مايو 2016م، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، التي أعتمد فيها إطار حوكمة تحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030». ستكون هي الخطوة الأكبر التي ستشكل الإطار التنفيذي الأقوى لكل مخططات الرؤية الاستراتيتجية المعلن عنها في (رؤية المملكة 2030)، فاستنادا إلى تكليف مجلس الوزراء له بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030». فقد قام مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتطوير نظام حوكمة متكامل؛ لضمان مأسسة العمل ورفع كفاءته وتسهيل تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة؛ بما يمكّن المجلس من المتابعة الفاعلة.
ولعل من المناسب أن نقف وقفة تعريفية سريعة أمام مصطلح (الحوكمة) الذي قد يكون جديداً على شريحة كبيرة من القراء, وهو بالفعل جديد, حيث أن الكفاءات التي تخصصت فيه قليلة, ولم تعمل به إلا شركات قليلة خاصة في الوطن العربي.
فما هو:
إن مصطلح «حوكمة الشركات» حديث في اللغة العربية، وهناك العديد من التعريفات التي سنورد بعضها لتقريب المفهوم لهذا المصطلح الاقتصادي الجديد،وتعرّف حوكمة الشركات بالمفهوم الضيق بأنها النظام الذي بموجبه يتم توجيه الشركات والرقابة عليها، وبالتالي فهي مجموعة من العلاقات بين الجهاز التنفيذي لإدارة شركة ما ومجلس إدارتها والمساهمين فيها.
ومصطلح الحوكمة هو الترجمة المختصرة التي راجت للمصطلح CORPORATE GOVERNANCE، أما الترجمة العلمية لهذا المصطلح، والتي اتفق عليها، فهي: « أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة».
وقد عرفت الأوساط العلمية مفهوم الحوكمة على أنه: الإدارة الرشيدة والحاكمة، ويشير إلى القوانين والقواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة من ناحية أخرى، بحيث يضمن الممولون حسن استغلال الإدارة لأموالهم وتعظيم الربحية، وتحقيق الرقابة الفعالة.
والحوكمة هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز فى الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة أو المؤسسة، وبذلك فإن الحوكمة تعنى تطبيق النظام أي وجود نظام يعمل على التحكم فى العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر فى الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤوليات.
والحوكمة هي منهج الإدارة الذي يزود المؤسسة بالإجراءات والسياسات التي تحدد الأسلوب الذي من خلاله تدار العمليات بكفاءة.
إن الحوكمة تضع الإطار لإتخاذ القرار الأخلاقى والإجراءات الأخلاقية للإداره داخل المؤسسة على أساس من الشفافية , والمحاسبة, والأدوار الواضحة المحددة للعاملين. وتؤكد على الأداء من خلال، الرصد, والإبلاغ , والتطوير , وتحسين العمليات , وإجراءات العمل.
الهدف من الحوكمة:
تهدف قواعد وضوابط الحوكمة الى تحقيق الشفافية والعدالة ومنح حق مساءلة إدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين وحملة الوثائق جميعا مع مراعاة مصالح العمل والعمال والحد من استغلال السلطة فى غير المصلحة العامة بما يؤدي إلى تنمية الاستثمار وتشجيع تدفقه وتنمية المدخرات وتعظيم الربحية وإتاحة فرص عمل جديدة، كما أن هذه القواعد تؤكد على أهمية الالتزام بأحكام القانون والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالى ووجود هياكل إدارية تمكن من محاسبة الإدارة أمام المساهمين مع تكوين لجنة مراجعة من غير أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية تكون لها مهام واختصاصات وصلاحيات عديدة لتحقيق رقابة مستقلة على التنفيذ.
نظام الحوكمة المتكامل الذي أقره مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية:
الأدوار والمسؤوليات
أولاً: على مستوى رسم التوجّهات والاعتماد:
مجلس الشؤون الأقتصادية والتنمية، وبناء على تفويض مجلس الوزراء، يتولى المجلس وضع الآليات والترتيبات اللازمة لتحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، ويشمل ذلك رسم الرؤى والتوجّهات والبرامج والرفع بها، والبت فيما يطرأ على البرامج والمبادرات من تعديل أو تحديث، كما يتولى المجلس البتّ فيما من شأنه إعاقة تحقيق البرامج التنفيذية لأهدافها فيما يقع ضمن اختصاصاته.
اللجنة المالية: تتولى اللجنة وضع وتحديث آليات اعتماد تمويل البرامج والمبادرات بما في ذلك تطوير إطار النفقات متوسطة المدى، كما تتولى اللجنة إعداد وتحديث الآليات التفصيلية التي يتم من خلالها اعتماد المتطلبات المالية للبرامج والمبادرات ويشمل ذلك دراسة المتطلبات المالية للبرامج والمبادرات وتخطيط التدفقات النقدية لها والرفع بشأنها.
الفريق الإعلامي بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية: يتولى الفريق الإعلامي في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ترسيخ الصورة الذهنية لـ»رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، ويشمل ذلك توحيد الرسائل الموجهة للرأي العام وتصحيح ما قد يكون خاطئاً منها وتطوير الخطط الإعلامية لـ»رؤية المملكة العربية السعودية 2030» والبرامج التنفيذية المرتبطة بها لإطلاقها للجمهور تعزيزاً لمبدأ الشفافية.
ثانيا: على مستوى تطوير الاستراتيجيات:
اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية: تتولى اللجنة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مسؤولية تقديم الدعم في الشؤون الاستراتيجية للمجلس، بما في ذلك اقتراح صياغة الاستراتيجيات المحققة لـ»رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، وترجمتها إلى برامج تنفيذية، ومتابعة تنفيذها، وذلك من خلال إشرافها على مكتب الإدارة الاستراتيجية، ودراسة كل ما يرفعه المكتب إليها. كما تتولّى اللجنة كذلك دوراً هاماً في حل العوائق والمشكلات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج والمشروعات المحققة لتوجهات المجلس من خلال البت فيما يرفعه إليها مكتب الإدارة الاستراتيجية أو القيام برفعه إلى المجلس للبتّ فيه. وتعقد اللجنة اجتماعاتها بدعوة من رئيسها مرة واحدة كل ثلاثة أشهر على الأقل، أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك بحسب ما يقدره رئيس اللجنة.
إطار حوكمة تنفيذ «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»
مكتب الإدارة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية: يتبع مكتب الإدارة الاستراتيجية للجنة الاستراتيجية حيث يمثل المكتب الذراع التنفيذية لها. ويتولى المكتب دراسة وتحليل سبل ترجمة «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» إلى خطط وبرامج تنفيذية ومن ثم الإشراف والمتابعة المستمرة على تقدم تلك الخطط والبرامج التنفيذية، ومدى تحقيقها لمستهدفاتها من خلال التقارير الواردة إليه، وتحديد الفجوات والرفع إلى اللجنة الاستراتيجية بشكل دوري بما يرى ملاءمته من توصيات.
كما يتولى المكتب دوراً هاماً في تذليل العقبات والمشكلات التي تُصَعَّد إليه ودراسة أسباب تأخر أو تعثر المبادرات (إن وجدت) وإعداد ملف متكامل سعياً نحو إيضاح الحقائق وتقريب وجهات النظر والبت فيها أو رفعها إلى اللجنة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية للنظر في شأنها.
مكتب إدارة المشروعات في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية: يتولى المكتب مسؤولية متابعة المشروعات والقرارات التي يصدرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويشمل ذلك مدى تحقيق أهداف والتزامات «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، وما يراه المجلس من أولويات أو مبادرات نوعية ضمن البرامج التنفيذية الساعية لتحقيقها. ويشمل ذلك التأكد من تطبيق منهجيات إدارة المشروعات وتقسيمها إلى محافظ وتحليل الاعتماديات والمخاطر المرتبطة بذلك بما يدعم تحقيق النتائج المرجوة. كما يتولى المكتب مسؤولية متابعة سير المعاملات من وإلى المجلس والعكس، ويقوم المكتب بالتواصل مع الجهات في هذا الصدد لجمع التقارير الخاصة بذلك والتي تمكنه من متابعة التنفيذ وإدارة المخاطر ويشمل ذلك تعريف التحديات وتصعيدها ومتابعة مدى التزام الجهات ذات العلاقة بالتعاون وقيامها بمسؤولياتها وتسهيل تنفيذ البرامج، والرفع لمكتب الإدارة الاستراتيجية بشكل دوري.
وزارة الاقتصاد والتخطيط: تمثّل الوزارة الجهة الداعمة للجهات ذات العلاقة والأجهزة الحكومية في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي، وذلك بناء على توجيه من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية أو في حال طلب الجهات ذلك. كما توفّر الوزارة المعلومات اللازمة من بيانات وإحصاءات ودراسات إلى الجهات ذات العلاقة، وتعمل على مواءمة الخطط القطاعية والمناطقية بين الجهات ذات العلاقة.
مركز الإنجاز والتدخل السريع: يمثل المركز الذراع الداعمة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في عمله مع الجهات التنفيذية بغرض تحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030» وذلك من خلال تقديم الدعم في تصميم المبادرات وإنجازها وتنفيذها. كما يتدخل المركز بناء على توجيه من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في حال التعثر في تنفيذ أي من المبادرات المشمولة في البرامج التنفيذية المحققة لـ»رؤية المملكة العربية السعودية 2030». ويقوم المركز برفع تقارير دورية للمجلس حول البرامج والمشروعات والمهمات التي تم تكليفه بها.
آلية التصعيد ضمن إطار حوكمة تحقيق «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»
المستوى الأول: يتم حل العوائق والتعامل معها داخل الجهة المنفذة للبرامج والمبادرات وبإشراف مباشر من رئيس الجهة (مثال: الوزير المختص) ويعوّل على رئيس الجهة حل معظم المشاكل التنفيذية في هذا المستوى وذلك قبل تصعيدها إلى مستوى أعلى في حال كان ما يعوق التقدم لا يقع ضمن إطار صلاحياته.
المستوى الثاني: يُطلب من مكتب الإدارة الاستراتيجية التابع لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية المشاركة دراسة الموضوع وإعداد ملف متكامل سعياً نحو إيضاح الحقائق وتقريب وجهات النظر والحصول على المعلومات اللازمة لذلك من جميع الجهات ذات العلاقة سعيا نحو حل العوائق المصعدة له. ولا يتم الرفع إلى اللجنة الاستراتيجية إلا عند تعذر معالجة ما يعيق تقدم الإنجاز على هذا المستوى.
المستوى الثالث: تقوم اللجنة الاستراتيجية بالبت فيما يرفع لها من مكتب الإدارة الاستراتيجية ضمن اختصاصاتها، وفي حال تعذر ذلك، قد ترى اللجنة الحاجة إلى رفع الموضوع إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية للبت فيه.
المستوى الرابع : يعرض الموضوع على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية للبت فيه .
إذا بهذه المفاهيم الضابطة والمحددة للعمل الإداري والتنفيذي وبكل تلك المحددات والقوانين والنظم والتشريعات التي تستصحب معها مفاهيم المحاسبة والمراقبة والشفافية وتحديد المسؤليات ومعايير قياس الأداء، كل ذلك سيحقق نقلة نوعية في العمل التنفيذي الحكومي لضمان تنفيذ كل المشروعات المعلنة في استرتيجية المملكة 2030، ويعمل على جذب المستثمرين ورؤوس الأموال الكبرى العابرة للقارات التي تبحث عن بيئة آمنة للاستثمارات.
وقد وصف الكثير من الخبراء والأكاديميين المتخصيين في التخطيط والادارة الخطوة، بأنها أحد أهم القرارات التي ستضمن تنفيذ وتحقيق الرؤية.حيث أن تطوير المجلس لنظام حوكمة متكامل لضمان مأسسة العمل وتسهيل تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، قد حمل معه كل الآمال والتطلعات الوطنية، فقد وصفها دكتور عبدالله بن إبراهيم الفايز «مستشار تخطيط» بأن هذه الخطوة قد حملت معها آمالا وتطلعات واضحة من خلال اللجان المتخصصة على مستوى رسم التوجّهات والاعتماد لرسم الرؤى والتوجّهات والبرامج والرفع بها، والبت فيما يطرأ على البرامج والمبادرات من تعديل أو تحديث، مثل اللجنة المالية والفريق الإعلامي لترسيخ الصورة الذهنية للرؤية وتعزيزاً لمبدأ الشفافية، ومن ثم أدوار اللجنة الاستراتيجية ومكتب إدارتها لصياغة الاستراتيجيات المحققة للرؤية وترجمتها إلى برامج تنفيذية، ومتابعة تنفيذها، وذلك من خلال إشرافها على مكتب الإدارة الاستراتيجية، وحل العوائق والمشكلات، وهو الذراع التنفيذية لها، ومكتب إدارة المشروعات في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي سيتولى مسؤولية متابعة المشروعات والقرارات ومدى تحقيق أهداف والتزامات الرؤية. وكل ذلك تحت دعم من وزارة الاقتصاد والتخطيط ومركز الإنجاز والتدخل السريع .
ووصفها د. محمد بن عبدالرحمن الدوغان أكاديمي خبير في القيادة والجودة والموارد البشرية بجامعة الملك فيصل بأن هذا التوجه ينم عن قيادة حكيمة تساهم في المشاركة الشعبية لقيادة هذا التوجه من خلال الأداء المؤسسي والمشاركة الوطنية وتوجيه القطاعين الحكومي والخاص لوضع استراتيجيات تحقق هذه الرؤية من خلال وضع الخطط الإستراتيجية لشركات القطاع الخاص والحكومي بمعايير محلية وعالمية لقياس أداء المنظمات والمساهمة في تطوير رأس المال البشري وتحقيق توجهات الدولة، مما يساهم في زيادة وتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني والارتقاء بمستوى الرفاهية للمواطن السعودي. الأمر الذي سيؤدي إلى نشر ثقافة الجودة وزيادة الإنتاجية والشفافية والحد من الفساد المالي والإداري في المنظمات.
وبعد..
فإن هذه التطورات السريعة في أداء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية, يؤكد ما ذهب إليه الكثير من المختصين داخل المملكة وخارجها بأن المملكة العربية السعودية مقبلة على نقلة نوعية في اقتصادها, تعتمد على التخطيط والشفافية والمحاسبة, وهذه الثلاث أساس نجاح أي عمل.