د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تطوقني لغة الأرقام كمصدر أثير للدليل والحجة، فأجدها تلتفُّ حولي التفاف النخيل حول تثني السواقي، وأحياناً كثيرة ألمس فيها فضولاً يدفعني للمقارنة من أجل النصح، وأعلم يقيناً أن بلادي الأثيرة «تحبُّ الناصحين»، وفي حزمة أرقامي المطروحة في الطريق اطلعتُ كما اطلع غيري أن أعداد الأميين في بلادنا تناقصت منذ العقد الماضي، بفضل من الله عزَّ وجلَّ ثم بدعم حكومتنا التي كانت وما زالت تؤمن أن المعرفة هي الطريق لصناعة الإنسان، وتطويق الجهل، ورشق محاضنه في كل عهود ملوكها المزهرة، وكذلك جهود المخلصين في التعليم.
وبحسب المعلومات المعلنة هذا العام، فإن الذين يتلقون التعليم في مجال محو أمية الكبار لا يتجاوزون الخمسين ألف دارس ودارسة تقريباً، جلُّهم من كبار السن، وأن نسبة الأمية المتدنية التي تُجيَّش لها الجهود تقل عن 5 % في القطاعين (5.36 % كبيرات و3.21 % كبار) يشارك المواطنون والمواطنات في هذا العدد ما يقترب من سبعة عشر ألف دارس ودارسة من غير السعوديين ((7744 في قطاع البنات و9226 في قطاع البنين))، وهذه المعلومات تؤكد جملة من الحقائق والمتطلبات من أهمها؛ أن الزمن الذي أشرقت فيه رؤية السعودية الحديثة 2030 يتطلب صياغة إستراتيجية جديدة وعاجلة في التعامل مع هذه الأعداد القليلة جداً جداً، قياساً بالأعداد الضخمة من طلاب التعليم العام من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية التي تتجاوز خمسة ملايين طالب وطالبة، إضافة إلى مرحلة رياض الأطفال، وأولئك لعمري هم عَصّب التنمية، ومشاعل المستقبل، والقوى النامية فيه. ولا يعني ذلك طمس فئة الأميين من خريطة التعليم، بل يلزمنا اليوم التعامل الأمثل مع تلك الأقلية بما يحقق لها الاتساق والتتابع الطبيعي مع مكونات المجتمع المحلي ممثلاً بالأسرة، والنطاقات المختلفة لتلك المكونات التي تتشكل بموجبها الدعائم المعرفية المناسبة لأفراد تلك الفئة بما يحقق أن تكون بلادنا بلا أمية في زمن وشيك، حيث إنه من اللافت تأخر تحقيق ذلك لأسباب يطول شرحها، لعل من أبرزها سياسات النظام التعليمي قبل إقرار إلزامية التعليم؛ وسواها مما مُني به التعليم عامة، وأتوقف قليلاً عند أعداد الأميين من غير المواطنين؛ وهم في نظري عدد كبير قياساً بالعدد الإجمالي مما يتطلب أيضاً سن أنظمة في مجال عمل الوافدين ولوائحه، وأنظمته وشئون الوافدين إلى البلاد، فهلا كان من شرط دخولهم إلى البلاد وعملهم حد معقول من المعرفة قراءة وكتابة؛ مما لا يجعلهم ينتظمون في أعداد الأميين من المواطنين، وفي ذلك مكاسب وطنية كبيرة، منها درء الجريمة، ودعم السلوك القويم، وتمثيل القدوة، وتطوير مستويات الأعمال التي يلتحقون بها، والمجتمعات التي يعيشون فيها، وكسب احترام الشارع العام، وبالتالي تحقيق مستويات عليا من الانسجام مما يعطر سيرة واقع التعامل مع أولئك الوافدين محلياً وخارجياً.