د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
هل يحقّ طرح هذا السؤال ممّن كان أبعد الناس عن ممارسة الرياضة -ليس منذ تولّى الشباب، بل قبل إقباله- ثم خالف طبيعة الشيخوخة الرزينة، فتصابى بمشاهدتها على الشاشة، متسلّيا في البداية ببرنامج المصارعة، ثمّ بمباريات كرة القدم المثيرة التي تدور رحاها بين النوادي والمنتخبات المشهورة؟ إن الدافع للمطالبة بأولمبياد رياضي وطني هو ما لاحظه الجميع في الأحداث الرياضية مؤخراً من التناقض بين فشل مؤسف لرياضة حظيت باهتمام جماهيريّ ورسمي واسع وإنفاق سخيّ، وذلك بعودة أربعة نوادي لكرة القدم تمثّل المملكة في دوري أبطال آسيا للأندية بخُفّي حنين، وبين روعة نجاح الرياضيّ السعودي عماد المالكي بنيْله الميدالية الذهبية ولقب البطولة في الكاراتيه، وهي بطولة يتيمة في مثل هذه الألعاب الرياضية التي لم تحظ بمعشار ما حظيت به كرة القدم من الاهتمام والإنفاق. وقد يقول البعض: وهل هذا هو أهمّ ما ينقصنا؟ لا ليس هو الأهمّ، ولكن علاقته وطيدة بالأهمّ، وهو التعليم. فإذا تذكّرنا أكبر عيب في تعليمنا، وهو حشو المقرّرات وحقنها في عقول النشء بالتلقين السلبي الذي يجعل شخصية الطالب سلبية في التفكير والمبادرات، فإننا لا بدّ أن نتذكّر أن من أهمّ أهداف التعليم -كوسيلة تربوية- هو بناء شخصية الطالب، لتكون إيجابية شغوفة بالمبادرات والمشاركة الفاعلة. أما مواد بناء هذه الشخصية فهي أكثر من واحدة. فمنها ما هو عقليٌّ يشحذ الذهن ليفكر ويسأل بفضول مَن يريد أن يفهم قبل أن يحفظ؛ ومنها ما هو نفسيٌّ تشكّله العلاقة بين الطلاب ومعلميهم والبيئة المدرسية وفعالية الإرشاد النفسي والتربوي بالمدرسة؛ ومنها ما هو بدني ما يطبّق في الوقت الحاضر في منهج التربية البدنية -على شُحّ الوقت المخصص له- يمارسه معظم الطلاب للتسلية وقطع ملَل الحصص، لكنه لا يربى بدنياً، وينظرون إليه كمادّة هامشية- على النقيض من دول بارزة في العلم والتقنية تولي الرياضة المدرسية عناية فائقة، فهذه ألمانيا تقرّر السباحة -مثلاً- مادة إلزامية. وللإنصاف لا بدّ من الإشادة ببعض المبادرات -وإن كانت حتى الآن قليلة التأثير. منها أن شركة تطوير للخدمات التعليمية أدخلت رياضة الكاراتيه ضمن برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم العام؛ ومنها اعتماد إنشاء الاتحاد السعودي للرياضة المدرسية في نوفمبر2014.
ومن ناحية ثانيه تخصّص المدارس ضمن النشاط اللاصفّي أنشطة رياضية في ألعاب معيّنة يختارها الطالب الذي يهواها، ومن يتميّز في لعبة منها ترشحه المدرسة للمسابقات التي تقام بين المدارس. وهنا ينتهي دور المدرسة. لكنّ الأندية الرياضية تتولّى اكتشاف الموهوبين وتدريبهم ثَمّ ترفع ترشيحهم إلى اتحاد اللعبة للمسابقات المُقامة على المستوى المحلي أو الوطني أو الخارجي. ويوجد الآن (21) اتحاداً رياضياً، لكلّ نوع من الألعاب اتحاد مستقل، له جمعية عمومية تنتخب أعضاء مجلس إدارته من مرشحي النوادي الرياضية التي تُمارس فيها اللعبة. ولكنّ المنافسات الشخصية في انتخابات مجلس الإدارة وضعف الميزانيات والاعتماد على دعم رعاية الشباب (واسمها الآن الهيئة العامة للرياضة) قد تحدّ من فعالية كثير من الاتحادات الرياضية. ولم أجد في مواقع الإنترنت ما يُظهر دوراً للجنة الأولمبية السعودية التي أنشئت عام 1383هـ إلّا في معالجة ترشيحات الاتحادات الرياضية لمسابقات إقليمية أو دولية؛ وكأن الهدف يتركز في مشاركة نخبة من أفراد موهوبين في مسابقات خارجية، فإذا حصل فوز نادر اهتزت له أركان الاتحاد الرياضي ووسائل الإعلام بالفرح والسرور. وهذا انفعال طبيعي، لكنه ليس الهدف الحقيقي للرياضة. فالفوز ببطولة إقليمية أو دولية يجب أن يكون تتويجاً لرأس هرم رياضي لكل لعبة يتمّ بناؤه على قاعدة عريضة من اللاعبين الهاوين للّعبة حيث يُدرّبون عليها في المدارس ثُمّ في الأندية الرياضية، ممّا يكشف عن أعداد كبيرة من ذوي المواهب الرياضية، ثُمّ يتمّ تعهّدهم بالتدريب وتأهيلهم للمشاركة في مسابقات تتدرّج من مستوى إلى مستوى أعلى حسب قدراتهم وتميّزهم وبدعمٍ ماليّ ومعنويّ من اتحاد اللعبة. ولعله يترتب على إنشاء اتحاد الرياضة المدرسية إحياء لهذه الرياضات التي تقود إلى تكوين قاعدة رياضية عريضة من اللاعبين الموهوبين الذين تتبنّى الاتحادات الرياضية رعاية تطورهم الرياضي. إنها عملية بناء هرمي لا يُلقى فيها العبء كلّه على مجهود الفرد، بل يحفّزها ويدعمها المدارس والاتحادات وهيئة الرياضة ومجتمع المشجعين الذي يشكّله أولياء أمور الرياضيين والمتحمسون للرياضة والإعلاميون وغيرهم. وبينما يكون الوصول إلى قمّة الهرم بشكل متكرّر في لعبة معينة مؤشراً على مستوى هذه اللعبة، يكون الوصول إليه في عدّة ألعاب مؤشراً على مستوى الرياضة في البلد. أما الفوز بالبطولة -في حدّ ذاته- فإنا هو حافز للاعبين لمواصلة التنافس الرياضي، وحافز لاهتمام الجمهور على أوسع نطاق. وبما أن المطلوب الأهمّ هو إثارة الاهتمام بالرياضة نفسها، لكي تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع وعنصراً في بناء الشخصية، فإن إقامة مسابقات أحادية لكلّ لعبة أو المشاركة فيها بحسب نشاط الاتحاد أو الجهة الراعية للعبة لا تكفي لإثارة اهتمام جمهور عريض بالرياضة. ذلك يتطلّب تنظيم مهرجان (أولمبياد) رياضي تجري فيه مسابقات لأكبر عدد من الألعاب كل سنة أو سنتين على مستوى المنطقة ثمّ على المستوى الوطني، وتوفِّر له هيئة الرياضة واللجنة الأولمبية كل ما يلزم من الإمكانيات التنظيمية واللوجستية والتمويل من ناحية، ومن الحشد الإعلامي الذي يثير اهتمام المجتمع من ناحية ثانية. وعندئذ سوف نرى الأفق الرياضي مليئاً بنجوم ساطعة من مختلف الألعاب. أما الآن فلا يملأ أفقنا إلّا غبار كرة القدم. ومعذرة لعشاق هذه اللعبة، ولكني أنصحهم ونفسي بأن لا يخلب ألبابنا بريق نجوم كرة القدم التي تسطع في سماء فرنسا خلال إقامة بطولة كأس الأمم الأوربية (يورو2016)، فتنسينا الاهتمام بالرياضة الحقيقية.