أ. د.عثمان بن صالح العامر
دخلت السوشيال ميديا معترك «الدعاية والتسويق» بشكل قوي في مجتمعنا المحلي، وتسابق المشاهير وأشباههم ومن هم على الطريق سائرون للوصول إلى هذه الغاية المنشودة عندهم والعزيزة في قاموسهم، تسابقوا جميعاً الفتيات قبل الشباب لخوض غمار هذا المستنقع الآسن رغبة في الحصول على المال والكسب السريع، وتوسيعاً لدائرة الشهرة جراء كثرة المتابعين، وغاب عن بال بعض هؤلاء المندفعين أخلاقيات هذه المهنة ومسؤوليات وواجبات من ينبري لتسويق منتج ما أو عمل ما أو سلعة ما أو حتى شخص ما، في مقابل التعريض وتقليل شأن منتج منافس وله زبائنه في السوق، والغريب أن هناك من يحلف بالله أنه يقول هذا الكلام ليس لمصلحة خاصة بل من أجل نفع الآخرين وإسداء المعروف لهم.
نعم هناك من يغريه البريق ويخدعه التصفيق وتأسره الشهرة ويذهب بعقله المال وآخر ما يفكر فيه تضليله للمستهلك وخداعه لمتابعيه الذين وثقوا فيه وسلَّموه زمام عقولهم ومنحوه الحق المطلق في التفكير عنهم وتوجيههم في سلوكهم الاستهلاكي بل وربما منحوه هو دون غيره السير بهم كيفما اتفق في مسالك دروبهم الحياتية المختلفة الحالية والمستقبلية بكل تفاصليها ومنعطفاتها التي لا تخفى، مع أن هذا المتبوع المطاع لا يعدو أن يكون شخصاً عادياً بسيطاً ربما تلقائيته وبساطته، أو شخصيته المرحة، أو جودة سبكه للعبارات وجرأته، أو نشره للمواقف المضحكة وسخريته، أو جمال ووسامة مظهره ولبسه أو... هي من سوَّق لشخصه حتى جعله يوجه الرأي العام ويرشد ويوجه للأسف الشديد!!!.
إننا ونحن نسقبل شهر رمضان المبارك أذكِّر نفسي وهؤلاء السوشليين سواء «مغردين» أو «مسنبين» و « مستغرمين « أن نوطِّن أنفسنا ونعودها على تحري الحقيقة والبحث عنها قبل أن نسوِّق ونروج.. لا بد أن نستشعر مسؤوليتنا عن كلماتنا وسناباتنا وتغريداتنا حتى لا نخرق سياج الحقيقة ونضر بمسار الصادقين في تجارتهم الحريصين على جودة منتجاتهم بعيداً عن التدليس والخداع وتزيين السلع في عيون الناس.
إنني هنا لا أعمِّم هذا الحكم ولا أتهم أحداً من هؤلاء المتواجدين في عالمنا الافتراضي حاشى لله أن يكون هذا هو القصد، ولا أبدي اعتراضاً على توظيف السوشيال ميديا في الدعاية والتسويق فهي منفذ تسويقي بامتياز وإنما أنا مجرد مذكِّر ومبصر لرواد هذا العالم المفتوح خاصة في هذه الأيام التي كل شيء صار يروج له لاندفاع الناس كما هو معلوم للشراء والتبضع من أجل رمضان !!!.
كما أن من الواجب على الأتباع والمعجبين الحذر من الانزلاق وراء الدعاية وتصديق كل ما يقال فقد تُلبَس الأشياء ثوب الحقيقة زوراً وبهتاناً، وقد يكون فيما يقال شيء من الحقيقة مع المبالغة في تعداد الفوائد وذكر الآثار والنتائج المتوخاة من هذا المنتج أو الفكرة.
لقد صرنا شعباً مستهلكاً أكثر من ذي قبل، وصارت المؤسسات المحلية والعالمية بل وحتى الأفراد الذكور والإناث يصرفون مالاً ووقتاً وجهداً أكثر من السابق على التسويق، وذلك لسببين رئيسيين:
# لوجودهم في سوق منافسة كاملة وسريع التجدد والتغير ومفتوح بابه على مصراعيه - كما هو معلوم -.
# ولكون جيل اليوم يختلف عن الآباء والأجداد في ثقافته الاستهلاكية وتختلف سبل إقناعه بجودة المنتج وملاءمته للوفاء باحتياجاته الخاصة، فضلاً عن آليات بناء شخصيته الاقتصادية وصولاً لنقطة التوازن لديه.
إننا بحاجة لإعادة قراءة سلوكنا الاقتصادي والتفحص في مسلماتنا الحياتية حتى نكون على وفاق مع أنفسنا ونسير بخط متوازن يفي بحاجات اليوم ويبقى لمتطلبات الغد ما يجعلنا في غنى حقيقي عمّا في أيدي أقرب الناس لنا بعيداً عن المؤثرات التي تجعلنا نشتري ما لا حاجة لنا به على الحقيقة جراء تأجرينا عقولنا لغيرنا ليفكر عنا ويقرر للأسف الشديد.
رمضان هذا الشهر الكريم الذي يطرق الأبواب - أسأل الله أن يبلغنا إياه وييسر لنا فيه الصيام والقيام - هو في الأصل شهر عبادة وتبتل إلى الله وقد صُرف عند البعض عن مراده الذي شُرع له ليصبح شهر إغراء وتسويق لما صعب بيعه في بقية شهور العام ووظف هؤلاء المشاهير في عالم السوشيال ميديا بطريقة أو بأخرى لترويج السلع والبضائع وإقناع المتابعين بها فوجب هنا التنبيه والتذكير لخطورة الأمر وأهميته، دمتم بخير وتقبلوا صادق الودِّ والسلام.