أ. د.عثمان بن صالح العامر
مع نهاية كل عام جامعي يتردد الحديث ويكثر الكلام - في الأوساط الأكاديمية ولدى القيادات الإدارية - عن التقاعد، والاستقالات، وإلغاء العقود، والتقويم السنوي، والعشر السنوات، والإحلال، ولجان التعاقد الخارجية، وبرامج الاستقطاب ، وعدد المعينين هذا العام من معيدين ومحاضرين وأساتذة مساعدين في الأقسام الأكاديمية المختلفة، وغير ذلك مما هو في ذات السياق .
* ولما أسمعه هذه الأيام عن حراك أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات التي ما زالت في طور البناء والتأسيس (السعوديين منهم والمتعاقدين) .
* ولتوسع كثير من جامعاتنا الناشئة في القبول كما هو ديدنها كل عام.
* وافتتاح فروع لها في المحافظات والمدن تلبية للحاجة المجتمعية الملحّة.
* وتدشينها أقسامًا جديدة لم تكن موجودة من قبل، وربما ليست ضمن خطتها التوسعية الإستراتيجية المقرة سلفاً من المجالس المخوّلة بذلك .
* ولمنافسة القطاع الخاص على الكوادر السعودية المتميزة وإغرائهم مادياً للانتقال إليه وترك وظائفهم الأكاديمية.
* ولتخوف شريحة عريضة من أعضاء هيئة التدريس السعوديين من تأثر البدلات المقرّة في الجامعات الناشئة بالوضع الاقتصادي الذي تمر بها بلادنا- حرسها الله وحفظها وحماها- ومن ثم سعيهم الجاد للانتقال إلى الجامعات الكبرى، حيث التميز البحثي والأكاديمي، والقرب من الخدمات الصحية والتعليمية ذات الجودة العالية في المدن الرئيسة المعروفة، خاصة أن عددًا منهم هم من سكان هذه المدن، سنحت لهم فرصة التعيين في هذه الجامعات الجديدة فانتظموا بها حتى حصلوا على درجة الدكتوراه من جامعات عالمية معروفة، ثم عادوا إلى أرض الوطن وباشروا في مقار عملهم الذي ابتعثهم خارجياً، وعيونهم كانت وما زالت على العاصمة الرياض أو جدة أو... يغازلون الجامعات الكبرى، وينتظرون لحظة العودة لأهليهم وأسرهم قاطني المدن الكبرى المعروفة بفارغ الصبر.
* ولوجود طلب عالمي متزايد على الكفاءات الأكاديمية المتعاقَد معها، سواء أكانت عربية أو أجنبية، من قِبَل دول خليجية قريبة أو جامعات خاصة محلية وعربية وعالمية، حيث الحصول على رواتب أفضل، فضلاً عن منحهم مميزات أكثر إغراء.
لهذه الأسباب ولغيرها صار - هذا الملف المزعج والمتشعب والشائك - في بعض الجامعات الناشئة ككرة الثلج التي تكبر سنة بعد أخرى، عزّزه وقوى أثره الحالي والمستقبلي:
* قلة عدد المعيدين والمحاضرين في كثير من الأقسام النوعية والتخصصات الصحية على وجه الخصوص، وتجمعهم ذكوراً وإناثاً في كليات معينة وبأعداد كبيرة جراء التعيين العشوائي في البداية، والذي تولّد معه مشكلة مزمنة لا يمكن حلها إلا بعد مرور سنوات عدة، وتمثل حتى تاريخه عبئًا ثقيلاً على متخذ القرار.
* تشدد إدارة الجامعة في الاستقطاب، وفرض مجلسها شروطاً يصعب توفرها في المتقدمين لشغل هذه الوظائف الأكاديمية، مما يحرم الأقسام قليلة العدد من الظفر بالمؤهلين، سواء خريجو برنامج خادم الحرمين الشريفين للتدريب والابتعاث أو الراغبون في الانتقال من التعليم العام أو القطاعات الحكومية الأخرى الصحية والهندسية والمالية.
* عدم وجود محفزات ومرغبات مناطقية، سواء بيئية أو اجتماعية أو خدمية «صحية وتعليمية ونقل»، مما يجعل عضو هيئة التدريس لا يحبذ البقاء في هذا الجزء من الوطن ولا اصطحاب أسرته معه ليستقر في هذه المنطقة أو تلك.
هذه بعض خيوط هذا الملف الساخن الذي أظنه يتنقل هذه الأيام بين مكتب معالي مدير الجامعة وطاولة وكيلها للشئون الأكاديمية، ليستقر في النهاية عند عميد شئون الأساتذة والموظفين الذي لا يملك من الأمر شيئا سوى مخاطبة عمداء الكليات بما يتم التوجيه فيه.
لذلك كله يساورني الخوف - مثل غير كثير - على مستقبل هذه الجامعات وجودة مخرجاتها في ظل الظروف القائمة، التي تحتم على وزارة التعليم التعامل مع هذه الأزمة السنوية الموجعة والملف الساخن المتجدد بشكل جدي للتخلص من التبعات ، والنهوض بهذه المؤسسات الأكاديمية كما تتطلع قيادتنا الحكيمة - أدامها الله - وينتظر الشعب الحريص على مستقبل أفضل لأبنائه وبناته قاطني هذا الجزء أو ذاك من أرض الوطن المعطاء، المملكة العربية السعودية، حفظها الله ورعاها، هذا ما سمح به مقال اليوم، وللحديث بقية الجمعة القادمة بإذن الله، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.