طراد بن سعيد العمري
وصف الأمير محمد بن سلمان في حديثه لقناة العربية اعتماد السعودية على «النفط»، بأنه أشبه بالإدمان، وشدد على أنه عند تأسيس هذه الدولة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز، لم يكن هناك نفط، بل رجال عملوا واجتهدوا وضحوا. ونحن نتفق تماماً مع طرح «أمير الرؤية» ونضيف عنصرين متلازمين أدمنها الشعب السعودي أيضاً: العمالة الوافدة، وتهميش العمالة السعودية. فإذا كان الأمير يعتبر أن النفط بات إدماناً في الوعي الجمعي السعودي، فيمكننا المجادلة بأن العمالة الوافدة، أمست إدماناً في ذهن رجال الأعمال والقطاع الخاص، وتبعاً لذلك، تهميش العمالة الوطنية وعدم تمكينها وتشغيلها بحجج كثيرة. وإذا كان «أمير الرؤية» عازماً على تخليص السعودية من إدمان النفط، فنهيب بسموه أن يشمل العنصرين الآخرين بعنايته، ويتم العمل على تخليص المجتمع السعودي من إدمان العمالة الوافدة، وتمكين الشباب السعودي والفتيات من إثبات أنفسهم والعمل في تنمية وطنهم.
كنّا نتمنى بداية لو أن الرؤية 2030 قامت على أربعة مقومات أساسية، ولم تقتصر فقط، على الركائز الثلاثية: العمق العربي والإسلامي؛ الاستثمار؛ والموقع الجغرافي. بالركيزة الأساسية الأهم هي العنصر البشري، وكان من الممكن تضمينها مع ركائز الرؤية الأخرى. وإذا كانت الركائز التي تشكل مكامن قوة للسعودية غير مستغلة ويراد تعظيم منافعها خلال الرؤية، فإننا نجزم بأن العنصر البشري السعودي لم يتم استغلاله في الماضي ويشكل كنزاً ثميناً غير مستغل. فقد حفلت جميع الخطط التنموية وأدبيات المسؤولين بدءاً بولاة الأمر مروراً بالمسؤولين عن التنمية البشرية والعمل والتوظيف، بأهمية الإنسان - المواطن، وأنه وسيلة التنمية وهدفها. صرفت الدولة مئات المليارات على التعليم العام والعالي في الداخل والخارج، وانتشار التدريب عبر كليات تقنية في كل مدن ومحافظات المملكة، لكن حظ أولئك الشباب والفتيات لم يكن جيداً مع وزارة العمل والقطاع الخاص.
تمكين العنصر البشري السعودي، في رؤية 2030 سيلغي بالضرورة الحاجة المفتعلة للعمالة الوافدة غير الماهرة، ويقصرها في أضيق الحدود وعلى عمالة وافدة ذات قيمة مضافة. فقد عمل القطاع الخاص عبر سنوات على تسويق إزدراء العامل السعودي والسخرية منه ووصمه بالاتكالية والكسل وغير ذلك من الأوصاف، حتى أمست تلك الوصوف «النبؤة التي تحقق ذاتها»، بالرغم من أن القطاع الخاص هو من عمل على تهميش الكوادر السعودية واستعاض عنها بالعمالة الوافدة في كل شأن من شئون العمل. وَمِمَّا زاد الطين بلة هو محاولة إغراء السعودي براتب زهيد من دون عمل يذكر، وبذلك تعاظمت السعودة الوهمية بشكل يدعو للحزن والرثاء. ذات القصة حدثت في جنوب إفريقيا قبل مجي نيلسون مانديلا، لكن حكومة جنوب إفريقيا إتخذت من القوانين الملزمة والعقوبات الصارمة ما أعاد التوازن إلى سوق العمل في جنوب إفريقيا. وهذا ما كنّا نتمناه في قانون عمل يلزم القطاع الخاص بضرورة توظيف الطاقات السعودية والتكفل بتدريبهم على رأس العمل.
لم تحقق وزارة العمل أي نجاح يذكر في تشكيل اختراق لذهن القطاع الخاص وتخفيف إدمانهم على العمالة الوافدة وتمكين الشباب السعودي والفتيات من الالتحاق بالفرص الوظيفية.. بل زادت الأمر سوءاً بأن جعلت من السعودي بضاعة مزجاة تدفع مبالغ طائلة لقاء توظيفه، كما أمست العمالة الوافدة هي الجزرة التي يكافأ بها صاحب المنشأة عند تحقيقه سَعوَدَة ولو وهمية. لكن الأمل معقود، بعد الله سبحانه، على «أمير الرؤية» الشاب محمد بن سلمان أن يأتي بالعلاج الناجع للتخلص من إدمان العمالة الوافدة، وإدمان تهميش الكفاءات السعودية، أسوة بالتخلص من إدمان النفط. لقد قال الأمير في لقائه مع قناة العربية والمؤتمر الصحفي كلاماً جميلاً ومشجعاً ومحفزاً تجاه الشباب السعودي، ولم يتبقى سوى أن يعزز سموه ذلك التشجيع والتحفيز بقرارات سياسية سيادية تجعل من توظيف المواطن فرضاً وليس اختياراً.. عندها سيضطر القطاع الخاص أن يستثمر في العنصر البشري السعودي كضرورة وليس ترفاً.
بلادنا بخير ولله الحمد، وأعظم خيراتها هم أبناؤها وشبابها، ذكوراً وإناثاً، مهما حاول بعض رجال الأعمال ترديد قصص النماذج السيئة التي تعتبر الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. ففي كل مجتمع نجد قصص شاذة لفئات تحب الكسل والاتكالية والتحايل، لكنها تبقى محدودة وفي أضيق الأطر. لو استعرضنا تجربة أرامكو أو سابك أو القوات الجوية أو الخطوط السعودية أو بعض من شركات القطاع الخاص الفاعلة مثل الزامل وعبداللطيف جميل، لاكتشفنا شباباً ماهراً ومسؤولاً جديراً بالتمكين. ولذا، فإن الرؤية 2030 تشكل فرصة لإعادة الثقة في العنصر البشري السعودي ومنحه الثقة والمسؤولية.. حتى الأرقام والنسب التي رشحت عن الرؤية حول تناقص معدل البطالة خلال الخمسة عشر عام المقبلة تتطلب إعادة النظر لعدم تناسبها مع أمرين:
1- حجم الطموحات في المجالات الاقتصادية والاستثمارية في الرؤية.
2- الحجم السنوي لعدد الخريجين والداخلين الجدد لسوق العمل والذي قد يصل إلى 500 ألف طالب وطالبة.
أخيراً، اعتماد العنصر البشري كإحدى ركائز القوة للسعودية، وترجمة ذلك في مضامين الرؤية 2030 وبرنامج التحوّل الوطني، سيعطي رسائل قوية لكافة الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص على أن الإنسان السعودي أولاً.. كما أن إصدار قرارات وقوانين سياسية وسيادية صارمة لتمكين الطاقة السعودية الكامنة في شباب وفتيات الوطن سيعيد اكتشاف أغلى وأثمن ما تملكه السعودية.. فعندما يكون من يمشي على الأرض أثمن وأغلى مما هو في باطن الأرض تبرز قوة الدولة الحقيقية. فالسعودي قادر ومتمكن وعامل ومحترف ومهني، يحتاج فقط إلى منحه أمرين: الثقة؛ والمسؤولية. ختاماً، نحن على يقين بأن «أمير الرؤية» قادر على تخليص السعودية من أي عنصر إدمان مثل النفط والعمالة الوافدة، وتهميش المواطن. كما أن الأمير الشاب يملك من الطموحات ما يمكن من ابتلاع معظم المشاكل التي تقلق المجتمع، ونؤكد لسموه أن الشباب السعودي والفتيات هم وسيلته لبلوغ تلك الطموحات وابتلاع تلك المشاكل.