يوسف المحيميد
في زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمدينة هيروشيما غرب اليابان ما يوحي بالاعتذار عن أكبر جريمة في تاريخنا المعاصر، حينما ألقت القوات الأمريكية قنبلة ذرية في السادس من أغسطس 1945 أواخر الحرب العالمية الثانية، راح ضحيتها أكثر من 140 ألف قتيل، ولكن الواقع أن الرئيس ذهب محملاً بالغطرسة الأمريكية، لتكريم كل من فقدوا في الحرب، والتأكيد عن الرؤية المشتركة لعالم بلا أسلحة نووية، ولم يذهب كي يعتذر باسمه عن الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، وحتى لو اعتذر، وبكى أمام الكاميرات وهو يقف قبالة النصب التذكاري للموتى، فهو لن يعيدهم من القبور، ولن يواسي أحفادهم اليابانيين، الذي خرجوا في مظاهرات ضد الزيارة، أي ضد زيارة القاتل، فمن الصعب أن تقف بجوار قاتل أبيك، وتصافحه، أو حتى تبتسم له، فكيف إذا كان سيذهب ويعود بلا اعتذار، وإنما يؤكد على عالم بلا أسلحة نووية!
حتما لا ينتظر اليابانيون اعتذارًا أمريكيًا، ولا الفلسطينيين من إسرائيل، ولا الأكراد من صدام حسين ولا السنة العراقية من المالكي وإيران، ولا السوريين من بشار، ولا ولا.. بحجم المجازر البشعة التي سوَّدت صفحات تاريخنا الحديث، الذي نفتخر به كعصر اكتشافات واختراعات، ساعدت البشرية على البقاء، وفي الوقت ذاته، قضت على شعوب آمنة ومطمئنة، بسبب الإنسان وغطرسته وجنونه وسوء استخدامه.
نعم كانت أمريكا في حالة حرب عالمية، على خلاف الأمثلة الأخرى التي طرحتها، لكنها استخدمت الأسلحة المحرمة قانونًا، وارتكبت جريمة حرب لا تغتفر، ولن ينساها التاريخ، ولا أحفاد أحفاد اليابانيين، وشعوب العالم بأسره، والاعتذار لا يعيد الموتى، ولا يقلل من مكانة القاتل!
كنت أتمنى لو اعتذرت أمريكا لجميع قتلاها في العالم، ليس بالزيارات الرسمية، والوقوف أمام النصب التذكارية، وادعاء المشاركة في عالم بلا أسلحة نووية، ولا بالتصريحات الممجوجة، كنت أتمنى من فناني أمريكا، ومتاحفها، وساحاتها، وضع نصب تذكارية لجميع انتهاكاتها تجاه العالم، فالفن هو الوسيلة الأجمل للاعتذار، وهو الوسيلة الوحيدة للتذكير وللخلود، فالعالم كله يتذكر الحرب الأهلية في إسبانيا من خلال «جونيكا» بابلو بيكاسو.
أما الادعاء في هذه الرؤية المشتركة لعالم بلا أسلحة نووية، فقد تكشفها العلاقات الأمريكية الثنائية مع الدول، والمحادثات السرية، ومحاولة زعزعة أمن واستقرار مناطق من العالم، من بينها منطقة الشرق الأوسط، بمنح حق امتلاك السلاح النووي، لإسرائيل وإيران، حتى وإن كانت الأخيرة يُذكر بأن الاتفاق معها على إعادة تصميم المفاعل حتى لا يمكنه إنتاج بلوتونيوم بمستويات تسمح بإنتاج أسلحة، لكن الزمن كفيل بكشف الكثير من هذه السياسات الخفية.
إن ما يثير الخوف والقلق، ليس أن تمتلك الدول المستقرة سلاحًا نوويًا، الدول التي تعنى بالاقتصاد والتنمية، المعنية بشؤونها الداخلية فحسب، وإنما القلق من الدول التي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، الدول ذات الأطماع التوسعية، فهي ما يجب الحذر منها وفرض رقابة صارمة عليها.