يوسف المحيميد
كثير من دول العالم حققت صداقاتها وتكاملها من خلال الاقتصاد، وليس من خلال السياسة، لأن هذه الأخيرة لا يمكن المراهنة عليها، فهي تقود إلى مغامرات غير مأمونة، وتقلبات مفاجئة، وتستند على مقولة أن عدو الأمس صديق اليوم، والعكس صحيح، فهي على خلاف المنافع الاقتصادية المشتركة التي تقود إلى تحسين مزاج الساسة، واستقرار بلدانهم، وتطوير العلاقات بينها، بما ينعكس على الشعوب.
وفي التاريخ شواهد كثيرة، فكوريا الجنوبية التي خضعت لاحتلال اليابان يومًا ما، أصبحت الآن شريكًا اقتصاديًا قويًا لها، تعيش معها تكاملاً، وليس تناحرًا وقلقًا، على عكس علاقتها مع جارتها الشمالية، وفي أوروبا التي عاشت حروبًا طاحنة فيما بينها، وحدتها السوق الأوروبية المشتركة، والعملة المشتركة، وتأشيرة الدخول إلى دولها، وغير ذلك من تبادل تجاري مهم ومؤثر على العلاقات فيما بينها.
على المستوى العربي فشلنا مرارًا، وعلى مدى عقود، بسبب السياسة والأفكار الثورية، فلم تنفع أحلام الوحدة العربية، ولم تنجح الوحدة بين طرفين غير متكافئين، ففشلت في أحد نماذجها بين مصر وسوريا، وتكرر الفشل وازداد حدة، باحتلال بلد عربي لآخر يجمعهما الدين واللغة والهوية والدم، وها نحن نعيش التمزق داخل كل دولة، بين طوائف ومذاهب وأعراق وأحزاب، حتى أصبحنا نشعر أن العالم العربي سيتحول إلى مجرد دويلات صغيرة!
والغريب أنه ما زال هناك من يطرح فكرة التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، ليس من خلال منطق المنافسة والتكامل والمصالح المشتركة، وإنما من المنطق القديم ذاته، وهو لِمَ لا تستثمر الدول العربية الغنية، أو النفطية، في الدول الفقيرة؟ بمعنى آخر أن هناك دولاً عربية تمتلك طبيعة غنية، يمكن استغلالها وتحقيق الأمن الغذائي العربي من خلال الزراعة الحديثة، وهذا الطرح النظري حقيقي ومنطقي، حينما نتحدث عن استثمار الحكومات، لكن هذا النوع من الاستثمار غير مجد] أحيانًا، لأنه بشكل أو بآخر، يتقاطع مع السياسة، فنجاح الاستثمار والتكامل الاقتصادي يتحقق عبر القطاع الخاص، لا العام أو الحكومي، لكن هذا الاستثمار في مفهوم القطاع الخاص غير مقبول في الغالب، لسببين رئيسين، الأول أن المستثمر لا يمكن أن يضع دولارًا واحدًا في منطقة غير مستقرة سياسيًا، بمعنى ألا تكون أمواله عرضة للضياع في أتون الصراعات السياسية الداخلية، والسبب الثاني أن المستثمر لا يغامر ما لم تكن هناك قنوات نظامية وأدوات قانونية تضمن رأس ماله، وعدم تعرضه للخداع والتدليس، سواء من رجال أعمال الدولة المستثمر فيها، أو من حكومة الدولة ذاتها، أما ما عدا ذلك، فلن يتحقق الاستثمار والتكامل الاقتصادي العربي، فرجل الأعمال لا يعنيه جنسية الدولة التي سيستثمر فيها، فلا يفرق بين دولة عربية وأجنبية، كل ما يعنيه هو أن يحصل على تسهيلات استثمارية مختلفة، وأن يحقق عائدًا جيدًا، ويحظى بسهولة نقل أمواله من وإلى هذه الدولة، وألا يفقد رأس المال الذي ضخه في اقتصاد تلك الدولة.
بمعنى لو أرادت إحدى الدول العربية جذب الاستثمارات العربية المجاورة، عليها أن تفكر في هذه النقاط، وأن تكون منافسًا للدول الأجنبية التي توفر هذه التسهيلات للمستثمرين الأجانب.