يوسف المحيميد
منذ سنوات طويلة، كان السعوديون والسعوديات، حديثو التخرج من الجامعات، يعانون من تجاهل القطاع الخاص، وعدم توظيفهم، وإحلالهم مكان المتعاقدين من الأجانب، بحجة أن الشركات والمؤسسات الوطنية تضع ضمن شروطها، أن يكون المتقدم لديه خبرة خمس أو عشر سنوات، مما يجعل الخريج يعيش بطالة مقلقة، أو يضطر العمل متطوعا وبلا مقابل، أو بمقابل رمزي، ولعدة سنوات، كي يضيف إلى سيرته بعض الخبرة بهذه الشركة أو تلك!
أما أن ينسحب أيضا هذا الأمر على المبتعثين والمبتعاث، أو ممن يحملون مؤهلات عليا، فهو ما يثير الدهشة، حيث لا تقبلهم الجامعات السعودية بحجة عدم مطابقتهم لشروط الوظيفة، التي تتطلب أستاذًا مشاركًا، وهذا لا يحققه حديث التخرج، سواء من الداخل أو الخارج، لأنه يحتاج العمل أستاذا مساعدا لعدة سنوات، يقدم خلالها أبحاثا في مجال تخصصه، ونشرها في مجلات محكمة، كي يحصل على الدرجة الوظيفية التالية، فكيف يحقق ذلك، وهو لم يعمل أستاذا مساعدا؟ فهل تضع الجامعات السعودية هذا الشرط المتحايل، كي يتسنى لها الاستقدام من جامعات الدول العربية!
لقد نشرت صحيفة الوطن تقريرا مهما عن تلقي الملحقية الثقافية السعودية في مصر 910 طلبات تعاقد من قبل 13 جامعة سعودية، والمحزن في هذا التقرير أن 431 طلبا هي من التخصصات النظرية والإنسانية، أي أن تغطيتها بالكوادر الوطنية أمر سهل، شرط أن تشعر هذه الجامعات بمسؤوليتها تجاه هذا الوطن، وتصبح جزءا من رؤيته للعام 2030، وتكف عن وضع شروط تعجيزية للوظائف الأكاديمية، بهدف البحث عن متعاقدين من الخارج، خاصة الجامعات التي بالغت في الأعداد المطلوبة، لدرجة تثير الشكوك، فمثلا جامعة الملك سعود، وجامعة المجمعة لم تقدم سوى أربع طلبات لكل منهما، وهو رقم مقبول نسبيا، لكن جامعتا تبوك وجازان تقدمتا بنحو 225 و223 طلبا على التوالي، وهي أرقام ضخمة، تتجاهل عشرات الخريجين والخريجات من حملة الدكتوراه، من الداخل والخارج، خاصة في تخصصات نظرية وإنسانية، فمن يمتلك الحق بإيقاف مثل هذا التجاهل تجاه أحد أبرز أهداف رؤية المملكة 2030، وهو توطين الوظائف، والرهان على الكوادر البشرية الوطنية؟
أعتقد أنه لابد من اتخاذ قرارات عاجلة، وتوجيه الملحقيات الثقافية السعودية في الدول العربية، بعدم الاستجابة لهذه الطلبات، وتوجيه خطابات شديدة اللهجة لمدراء الجامعات الذين يتجاهلون عشرات الطلبات، بل والالتماسات من قبل حملة الدكتوراه الذين يعانون البطالة في وطن يعتبر ضمن الدول العشرين الأقوى اقتصادا في العالم.
نحن لسنا ضد استقطاب الكفاءات الأكاديمية المصرية، ومن مختلف الدول العربية، لسنا ضد (تعريب) بعض الوظائف الأكاديمية المتخصصة، التي بالفعل تتطلب كفاءات متميزة، لكننا نطالب بالنظر في طلبات أبنائنا وبناتنا، ممن يحملون درجة الدكتوراه، بالذات في العلوم النظرية والإنسانية، وتوظيفهم بشكل عاجل، ومنحهم الفرصة للعمل وتقديم الأبحاث ونشرها في مجلات محكمة، للوصول إلى درجة أستاذ مشارك، فلو لم تمنحهم هذه الفرصة جامعات وطنهم، من سيمنحها لهم؟ هل على المبتعثين والمبتعثات ألا يعودوا للعمل في وطنهم؟ ما فائدة صرف مئات الملايين عليهم إذن؟ وهل على الخريجين من جامعات سعودية الهجرة لدول مجاورة، والعمل في جامعات خليجية؟