يوسف المحيميد
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، والحجاج الإيرانيين لوحدهم، من بين حجاج نحو 78 دولة في العالم، يسببون الأذى والفوضى، ويحولون الحج من شعيرة دينية خالصة، يحلم بأدائها أي مسلم على وجه هذه الأرض، كي يعود إلى وطنه بحج مبرور من غير رفث ولا فسوق، إلى فعل سياسي منظم، يردد الهتافات ويحمل الصور، ويعترض سير الحجاج المسالمين، بغوغائية مقصودة، تؤدي إلى فوضى واشتباكات ووفيات في مواسم حج مختلفة، فمنذ عام 1981، أي غداة الثورة الخمينية، وحتى الآن، مرورًا بالكارثة التي سجلها التاريخ بفعلهم عام 1987، وذهب ضحيتها حجاج ورجال أمن، وآخرها حج العام الماضي.
وخلال هذه العقود الثلاثة، مرت بضع سنوات لا تُشارك فيها إيران بحجاجها، لأسباب تتعلق بخلافات دبلوماسية، ما يجعل الحجاج الآخرين، بالذات حجاج الداخل السعوديين والعرب والأجانب، يتشجعون على أداء الحج خلال تلك السنوات القليلة، لشعورهم بالراحة والطمأنينة إلى أن موسم الحج سيكون هادئا وناجحا بكل المقاييس، بغياب حجاج إيران، فلماذا تحولت هذه الدولة المسلمة إلى مصدر قلق وإزعاج لمليوني مسلم وأكثر؟
قبل أيام أصدرت وزارة الحج والعمرة بيانًا واضحا ومحددا وشفافا، يصف ما حدث مع الوفد الإيراني الذي جاء للتوقيع على اتفاقية الحج لهذا العام، وهو إجراء سنوي روتيني، تقوم به المملكة، بدعوة المسؤولين عن شؤون الحج في الدول العربية والإسلامية والدول ذات الأقليات المسلمة، لبحث ومناقشة ترتيبات ومتطلبات شؤون حجاجهم، لكن إيران، ولأسباب سياسية محضة، لم توقع على الاتفاقية، وعاد وفدها من غير توقيع بحجة عرض ذلك على مرجعيتهم في إيران.
ومن يقرأ اعتراضات الوفد الإيراني حسب البيان يكتشف أن الأمر سياسي بالدرجة الأولى، ولا علاقة له بشؤون الحجاج، ولا راحتهم وطمأنينتهم، فأي منطق في المطالبة بمنحهم التأشيرات من داخل إيران، مع أن العالم بما فيه المملكة، تقدمت لديهم خطوات الحكومات الإلكترونية، وأصبح طلب التأشيرة والحصول عليها إلكترونيا؟ وأي مبرر للمطالبة بإقامة مراسم ونشرات خاصة داخل مكان يزدحم بملايين الحجاج، وهذا الأمر يعني النية بتعطيل مسارات الحجاج وتنظيمهم وتفويجهم!
فلماذا يحدث كل ذلك، ولماذا تحاول إيران دائما إفشال موسم الحج، حتى لو تطلب الأمر التضحية بمواطنيها؟ هل لكي تطالب بتدويل تنظيم الحج، كما رددت وسائل إعلامها بعد حج العام الماضي؟ هل تحلم بحشر أنفها في شأننا الداخلي؟ رغم كل ما نبذله من عمل وجهد ومال، يشهد به العالم، بل ويجعلنا على رأس الدول العالمية المتميزة في تنظيم الحشود.
كم تمنينا أن يكون هذا الوفد جاء لمناقشة أمر يتعلق بحجاج نعتبرهم ضيوفنا مثل غيرهم، ونتشرف بخدمتهم، لا أن يكون وفدًا سياسيًّا يناقش وفي ذهنه اختلاف وصراع سياسي لا شأن للحج بها!