د. جاسر الحربش
العربيزي خلطة هجينية بدأت تنتشر بين شبابنا بتركيب المفرده من العربية والإنجليزية، واسبانجلش تركيب من سبانيش وانجلش لتوصيف لغة المهاجرين إلى أمريكا من دول تتحدث الإسبانية.
منذ سنوات يدور في ألمانيا نقاش سياسي اقتصادي تربوي، هل يجب أن يتخلى الألمان عن لغتهم في مجال العلوم والتقنية لأن اللغة العالمية أصبحت الإنجليزية؟. التساؤلات المطروحة بين الجهات المتحاورة لا حصر لها، منها ماذا يحصل لنا إن فعلنا، ماذا يحصل لنا إن لم نفعل، كم يكلفنا ذلك في الحالتين، كيف نفعل ذلك، إلى آخره. المشاركة الشعبية في وسائل الإعلام أضافت الكثير من الفكاهة والترفيه. أحدهم اقترح أن تبدأ الأنجلزة في الفراش، وآخر قال إن ابنه في الابتدائية أصبح يقول : إش آم جيرماليش. هذه الجملة تحتاج إلى تفكيك لغوي، فكلمة إش تعني أنا بالألمانية ولكن آم هي تصريف فعل يكون مع ضمير أنا بالإنجليزية، وجيرماليش خلطة من جيرمان أي ألماني بالإنجليزية، ودويتش أي ألماني بالألمانية. آخرون أثنوا على النقاش لكونه برهن على أن الألمان ليسوا ثقلاء دم كما يعتقد الإنجليز. أحد التربويين قال جملة توقف عندها الجميع: سوف نفقد جزءا من الروح الألمانية عندما نتخلى عنها للإنجليزية في أي مجال كان.
الألمان يدركون قدرتهم على الإبداع التقني والفني أيضاً، لكنهم ينظرون إلى الإنجليزية ككتلة هائلة تجمع أمريكا وكندا وأستراليا وبريطانيا وإيرلندا ومعهم الهند بسكانها وإبداعاتهم في المعلوماتية والرياضيات، فيقولون لأنفسهم كيف تستطيع اللغة الألمانية تسويق منتجاتها بالألمانية وسط هذا المحيط الضخم من الحيتان الإنجليزية.
جزء من النقاش أكد على الجودة النوعية للمنتج الألماني كأهم عنصر تسويقي، وعلى أن الوصفة الفكرية والتصنيعية الألمانية أثبتت قدرتها عبر الثلاثمائة سنة الأخيرة وأن الترجمة الفورية وفي الحال تكفي لعدم التضحية بأي جزء من الروح الألمانية.
أتوقع وجود البعض بين العرب يضع اللغة الإنجليزية على رأس أولويات شروط التطوير والتقدم، وأن العربية لغة كلام لا تتسع للعلوم. حجة هؤلاء في ذلك هي الهند وجنوب أفريقيا فقط لا غير. هذا البعض يتجاهل اليابان والصين وكوريا وتركيا وإسرائيل، وهي دول ناجحة تطورت وتقدمت ولم تترك لغتها في الخلف.
آفة اللغة في أهلها، ولذلك اتسعت العربية من الأرض إلى السماء في الماضي لاستيعاب كل فنون التعبير بإمكانيات لا توفرها أية لغة أخرى. القصور عن توفير المصطلح العلمي المناسب والمتفق عليه عند الجميع في الوقت الحاضر سببه قصور أهل العربية في المجالات العلمية كافة ودفن ألسنتهم في أكوام الكلام والشعر والحكم والأمثال، مع أنه حتى في هذه المجالات مجرد ترديد ببغاوات لا تفهم ما تقول.
الإضافة التي تهمني هنا هي أن هذه البلاد، المملكة العربية السعودية هي القاطرة الحقيقية المحمولة بداخلها اللغة العربية. هذه البلاد تنوي الإنطلاق في رحلة جريئة نحو المستقبل ويتوجب عليها أن تكون اللغة العربية معها في هذه الرحلة ومن أولوياتها. الموضوع يحتاج فقط إلى مؤسسة كبيرة للترجمة الفورية تجمع المواهب اللغوية التي تستوعب العربية والإنجليزية والعلوم الحديثة، كواجب وطني مقدس يعتبر من أولويات التنمية. حسب مقولة التربوي الألماني: لا نريد أن نفقد جزءاً من روحنا عندما نتخلى عن لغتنا للإنجليزية في أي مجال.