د. جاسر الحربش
أعرف أن الرؤية السعودية الجديدة للتنمية توشك على الدخول في التنفيذ، وأنها في أيد أمينة مدركة لكل الحسابات المحتملة بالموجب والسالب، ولكن حجم الطموح في هذه الخطة وسعة صدر المسؤولين عنها يبقيان المجال مفتوحا ً لما قد يكون متبقيا ً في الخواطر من الأسئلة . حسب المشروع نحن مقبلون على الاستثمار في السياحة الإسلامية والتاريخية، وهذا يعني الاستعداد لاستقبال ملايين البشر كسياح يحتاجون إلى مرافق وخدمات وطعام وشراب.
كذلك التخطيط لزيادة أعداد المعتمرين تدريجيا ً إلى ثلاثين مليون نسمة في العام يضيف رقما ً كبيرا ً جدا ً إلى أعداد السياح المتوقعين.
تنفيذ الخطط في هاتين الجزئيتين فقط سوف يوجب علينا استقدام عمالة إضافية، لأن إمكانياتنا الوطنية لن تكون كافية.
السؤال المتوجب هنا هو كيف ومن أين سوف نوفر المياه، فقط المياه لكل هذه الأعداد ؟.
الحكمة تقول مد ساقيك على قدر لحافك، أو ضمهما مؤقتا ً إلى أن تستطيع نسج اللحاف المناسب لطولك.
ربما تكون هذه الطريقة هي الأكثر واقعية، أي أن تبدأ بما يتوفر لديك ثم تبني عليه طموحات المستقبل.
في التنمية اليابانية والكورية والماليزية والتركية والصينية بدأت التنمية بما توفر لكل دولة من إمكانيات ذاتية.
ضرورة الاستعانة بما لابد منه من الخارج كانت مجرد ملحقات تكميلية للإمكانات الوطنية.
البعض يقول إن دول الخليج العربي المجاورة نفذت خططا ً تنموية وطنية طموحة بالتعاون المفتوح على الاستفادة من الإمكانيات الخارجية.
في هذا يكمن خلط بين التنمية الوطنية الذاتية وبين الاعتماد على العولمة الاقتصادية الشاملة.
الدول المجاورة التي نفذت هذه الخطط تقلص فيها عدد المواطنين إلى ما دون العشرة بالمائة من عدد السكان، ورؤوس الأموال مع التحكم بمساراتها انتقلت بشكل كبير، ولو غير مرئي، إلى الأيادي الأجنبية.
التنميات الخليجية المجاورة لم تصنع حتى الآن محركا ً ولا مولدا ً كهربائيا ً ولا آلة طبية بالاعتماد على مخرجاتها التنموية.
التنمية هناك أوجدت مجالات هائلة للاستهلاك الترفيهي والمائي والغذائي، بما يترتب على ذلك مما يقال أو لا يقال.
السيطرة هناك سوف تبقى مضمونة فقط أثناء فترات الهدوء والاكتفاء والتشارك المائي والاستهلاكي مع الآخرين، أما في حالات الارتباكات الإقليمية أو الداخلية فسوف يكون المواطن الأصلي في تلك الدول أضعف المكونات وأول ضحايا العولمة الواسعة.
وبعد، ماهو التصرف الأكثر واقعية عندما تدرك أن عربتك القديمة لم تعد تلبي رغبتك في السرعة ومتطلبات السلامة والراحة؟.
هل تتركها على قارعة الطريق لتشتري عربة جديدة تحتاج لإقتراض بعض ثمنها بفوائد بنكية أو تقديم رهون، أم تتفقد العربة القديمة بنظرة أعمق وتغير القطع الصدئة والمهترئة والمسامير المخلخلة والعجلات المثقوبة، ثم تواصل المسيرة وأنت مطمئن بدون الحاجة إلى استدانة ولا ضيوف أجانب يعلمونك كيف تستعمل العربة الجديدة؟.
على أي حال لا أعتقد أننا ننوي التخلي عن عربتنا التنموية القديمة ونتركها على قارعة الطريق، والأكثر احتمالا ً أننا سوف نوظبها بالكامل ونسلم المقود إلى من نثق بأنه بتوفيق الله سوف يجنبنا تجفيف مصادر مياهنا الشحيحة، ويبعدنا عن تغول العولمة الاقتصادية الواسعة.
العولمة اللامحدودة لها الأيادي الأطول والبطون الأوسع والأضراس التي تفرم اللحم مع العظم نسأل الله أن يغنينا عن ذلك بإمكاناتنا الذاتية.