د. جاسر الحربش
في مسألة الترفيه إن جازت التسمية، إن لم تكن البداية مدروسة جيدا ً ومنضبطة، سوف يصطدم النقيضان. البعض سوف يكون قليل أدب ومنحرف الأخلاق ويفهم الترفيه على أنه فرصته المواتية للانفلات، وسوف يوجد نقيضه الذي يستدل بفعل ذلك المنحرف على أن الترفيه يعني الانفلات بالفعل. لن يكون ذلك على مستوى الذكور فقط، بل المتوقع أن يكون ذلك الصنف النادر من الفتيات المنفلتات هو الوقود المغذي لجعل المحاولات الأولى للترفيه الاجتماعي تتحول إلى الفشل والإيقاف. القدر المكتوم طويلاً فوق النار ينفجر في الوجه إن فتح غطاؤه على استعجال.
لا أعتقد بإمكانية ترفيه شعب بناء على مرئيات هيئة أو مؤسسة. هذا ليس هو المطلوب أصلا ً، والمطلوب هو إيجاد الأنظمة والأجواء المناسبة للترفيه. سوف أحاول هنا تقديم رأي حول احتمالات سوء فهم للترفيه تختلف عن الهدف المطلوب. الهدف كما أتصور عند الهيئة هو البدء في إقناع العقلية المتوجسة بعدم التدخل بالحريات العامة المنضبطة. هذا يتطلب إيجاد الجو العام المريح للاستمتاع لمن يريد بما هو حريات خاصة غير متعدية على الآخرين أخلاقيا ً ولفظيا ً وبدنيا ً ويفهم الأنشطة الترفيهية على أنها ضرورة منشطة للعقل والمزاج والبدن.
المؤكد أن كلمة ترفيه بمدلولاتها المحشوة تراثيا ً قد تحمل للبعض معاني تقترب من العبث أو الإنفلات أو تضييع الوقت خلف المتعه حتى لو أنها تحمل مقاصد إيجابية للاستفادة من أوقات الفراغ، والفوارق في الفهم مسألة ثقافة وتربية. كلمة قد توحي عند بعضهم بالإنفلات والتسيب هي نفس الكلمة التي تفهم عند البعض الآخر بمحتواها الإيجابي في التعامل مع إرهاق ونكد وتنغيص المسؤوليات اليومية.
حضور عزف موسيقي راق في ساحة مكشوفة مع الجماهير، ومشاهدة فيلم سينمائي أجازته الرقابة النوعية في صالة تتسع لمئات المشاهدين، وإمكانية الوصول المستقل والذاتي لكل مواطن ومواطنة بدون مضايقات وتحرشات إلى العمل والتطبيب وصالات المطاعم والفنادق ومشاهدة الحفلات الجماهيرية العامة، هذه أمثلة على أنشطة ترويحية بالمفهوم الاجتماعي والثقافي والفني لمن يريد فهمها كذلك، ولكن الفهم المتوارث محليا ً عن الترفيه لا ينسجم معه، رغم كونها نشاطات حيوية من لوازم الإستعداد لمسؤوليات العمل والإنتاج بمزاج مريح لأنه مرتاح.
أضرب لكم أمثلة على سوء الفهم بالتدخلات في نشاطات النوادي الأدبية والمعارض الثقافية والاحتفالات الموسمية. حتى اليوم يوجد احتمال التدخل بطريقة تجهض محاولات الإرتقاء بالإبداع وفنون الفرح. الاستباحة لإجهاض هذه النشاطات نابع من توجس المتترس ثقافيا ً بتزكية النفس وبصلاحيته لحراسة الفضيلة. حارس الفضيلة المتوجس كثيرا ً ما يتوهم ما ليس له علاقة بالنشاط الثقافي والفني، لكنه يبقى كل مرة فوق الشبهات والمحاسبة.
الآن قد يتوجب على هيئة رسمية التكفل بمسؤوليات الترفيه، وهذا لن يمر دون مقاومة تزعم الاحتساب، مالم يتم توضيح والفصل بين مفهوم الترفيه المتوهم ومفهوم المشاركات الاجتماعية في العروض الفنية والمنتديات والأعياد الاحتفالية بدون إزعاجات وتحرشات وفبركة إشاعات.
ربما قلت الكثير مما لا لزوم له، ولكن التعامل مع ما يدرس منهجيا ً على أنه بدع وسفاهات وعبث يتطلب الجهود التعريفية المناسبة أولا ً لمختلف المفاهيم، تسهيلا ً للوصول إلى الهدف المطلوب.