د.موسى بن عيسى العويس
- كلما تفاءلنا، أو حاولنا أن نبدي شيئًا من التفاؤل في الحاضر والمستقبل، عنت لنا بعض الظواهر السلبية في بيئات عملنا، التي تجرنا للخلف عقودًا من الزمن، لكنها بالتأكيد لن تثنينا عن تطوير ممارساتنا.
- خلافًا للشعارات الحديثة (الشفافية، الوضوح، سهولة الإجراءات والباب المفتوح) نجد أن هناك جهات حكومية (غير أمنية) بدت تظهر على السطح؛ لتضع حواجز، وأبوابًا إلكترونية، ورجال أمن صناعي، وقيودًا، وشروطًا، ومساءلات، ووسائل تحقق مختلفة لمن أراد أن يصل إلى أصغر موظف في تلك الجهة، فضلاً عن قياداتها في أبراجهم العاجية؛ لتجعل المواطن في موقف مهين لا يسر، وتقتل فيه الهم الاجتماعي والوطني الذي يحمله أحيانًا؛ ليقدمه لهذه الجهة أو تلك بأي وسيلة، كما تحدُّ من دور المواطن وشراكته في الجانب الرقابي، وتنمية أدوات النقد الهادف لديه.
- مؤسسات خدمية بحتة، المستفيد منها المواطن، نجد أنها تسلك مسلكًا إداريًّا غريبًا لكل من يراجعها، أو يأتي مستفسرًا لأي غرض، مع أنها لم تُنشأ في أساسها إلا من أجل خدمة هذا المواطن، وتيسير سبل الحياة الكريمة له وللأجيال الطموحة الواعدة من بعده.
- الجميع يتمنى أن يكون لهذه المؤسسات بوابات وخدمات إلكترونية راقية، ووجود مكثف في كل ركن؛ لتيسر على المواطن وطالِب الخدمة والمستفيد كل ما يريده ويلبي احتياجاته واحتياجات مجتمعه بشيء من العدالة، لكن هذه المؤسسات - مع شديد الأسف - من أقل المؤسسات احتفاء بذلك الأسلوب داخل بيئتها.
- لم تكن تلك الحواجز أو الإجراءات الطويلة للدخول والخروج منها مع المواطن المغلوب على أمره فحسب، بل أحيانًا تقف عائقًا أمام من تستدعي طبيعة عمله المراقبة والتفتيش، والمساءلة والمحاسبة.. ولعل هذا مؤشر خطير، يعطي مؤشرات غير إيجابية عن الممارسات الإدارية داخل هذه المنشآت، ويضع تساؤلات مريبة عدة؛ إذ لا نجد لهذا السلوك أي تفسير يمكن قبوله في عصر الشفافية والانفتاح، لا من حيث النظام، ولا من حيث العرف والتقليد.
- حينما طُرحت الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية على الرأي العام، وعلى المواطنين بكل فئاتهم، كان مما ورد في ثنايا مقابلة سمو ولي ولي العهد أن من لم يتفاعل مع هذه الرؤية، وما تضمنته من أهداف ووسائل، إحداها - بطبيعة الحال - (الشفافية والوضوح)، سيجد نفسه مصطدمًا بالشارع، وهكذا هو مصير تلك المؤسسات التي تمارس التعتيم على عملها، وأوصدت الأبواب أمام المواطنين بكل جرأة. نعم، ستجد نفسها مصطدمة بالرأي العام بشكل قاسٍ، وسيطول المؤسسة من أكبر مسؤول حتى أصغره شيء من المساءلة والمحاسبة على تواريهم خلف هذه الحصون.
- نحن الآن أمام إعلام حُرّ صاخب، يمتلكه كل فرد، ويدار من كل موقع، في البيت، والشارع، والمقهى، والسوق.. فماذا لو تكاتف الإعلاميون المخلصون بكل مستوياتهم، واختلاف وسائلهم، ووقف معهم المواطن المخلص؛ ليرصدوا جميعًا، ويسلطوا الضوء على تلك المؤسسات المحصنة؛ لتعرية هذا السلوك الإداري المقيت الذي لا يتناسب مع طبيعة العصر، وظروف المرحلة التي نعيشها، والمنهج الجديد للتعامل مع المواطن واحتياجاته التي أصبحت هدفًا في الرؤية وخطط التنمية؟