د.موسى بن عيسى العويس
* يشد انتباه المطلع على التقرير الثاني لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية عمق التقرير ومحاولة استقصاء المشكلات أمام المواطن والمقيم وتلمسها، وعدم الاقتصار على مباشرة المشكلة حينما تقع كما هو الشأن في أعمال بعض المنظمات والهيئات الحقوقية .وليس هناك شك أن منطلقات حقوق الإنسان في بلدنا كفلها التشريع الإسلامي، ونحن سابقون في كثير من التشريعات الحديثة لحقوق الإنسان في دول العالم، لكن يبقى التشريع معطلا في بعض الأحيان مالم يناط بجهة معينة تتابع تطبييق، هذا من ناحية، ومن زاوية أخرى فإن معرفة الفرد لكافة حقوقه، وما عليه من واجبات والتزامات كذلك هي من الأهمية بمكان، لكي نبني شخصية إنسانية متزنة، ولعل هذا ما تحاول الهيئات والجمعيات والمنظمات الحقوقية نشره والتوعية فيه.
* خمس نقاط استوقفتني في التقرير، وأعتقد أنها بالفعل مشكلات جوهرية أثارتها أكثر من جهة، وأومأ إليها أكثر من كاتب، وتناولها أكثر من تحقيق صحفي، حتى أصبح بعضها يشكل رأيا عاما لا يستهان به، ومع ذلك ظل حلها مستعصيا طوال عقود من الزمن.
* من أهم تلك البنود التي حواها التقرير أهمية الاستعجال في إصدار نظام صارم لحماية المال العام، يقف عنده الموظف والمسؤول، ويستشعر حجم العقوبة التي ستطول كل من يعتدي عليه بشكل أو بآخر، فالمال العام زاد مشترك، و من حق المواطن أن يسأل عن أوجه صرفه، وسلامة إنفاقه على الخدمات العامة التي تصب في مصلحة الجميع، والشفافية والوضوح أصبحت مطلبا مهما في هذه المرحلة.
* الثاني: إنشاء وحدات للمراجعة الداخلية داخل جميع المؤسسات الحكومية، والهيئات والشركات، ليس هذا فحسب، بل ولابد من تفعيل أدوارها الرقابية، لضبط الإجراءات المالية والإدارية والمحاسبية.
* الثالث: الاستعجال في إنشاء واستكمال المحاكم المتخصصة في جميع مناطق ومحافظات المملكة العربية السعودية، لضمان سرعة وتسهيل إنهاء كافة الدعاوى والقضايا والبت فيها، وحفظ الحقوق سواء كانت عامة أو خاصة .
* الرابع: وهو الذي تلامس مشكلته كل بيت وأسرة حث وزارة التعليم على استبدال المدارس الحكومية في المباني المستأجرة، وإنشاء مبان حكومية رسمية، لكي تؤدي المدرسة أدوارها على أكمل وجه، فمن المؤسف حقا أن يصل عدد المدارس المستأجرة في بعض المناطق قرابة 40%. وهي نسبة عالية، يتضح من خلالها عدم استثمارنا للطفرة المالية التي مررنا فيها.
* خامس تلك المشكلات التي سردها التقرير تقييم الوضع الحال للخدمات الصحية لدينا، وأهمية تطوير مراكز الرعاية الصحية الأولية المنتشرة في كافة المدن والقرى، وتوفير الأطباء المختصين، وتجهيزها بالمستلزمات الطبية .
مثل هذه الالتفاتة من هيئة حقوق الإنسان لتلك المشكلات والقضايا تجعلنا نطمئن كل الاطمئنان أن مؤسساتنا تزاول مهامها واختصاصاتها على نحو مرض، وتواكب في عملها إن لم تتفوق على مثيلاتها في الدول الأخرى، ومن هنا يحسن الانتباه والتوعية للمواطنين، وتحذير النشء بالذات مما يروج له الإعلام الخارجي المتربص، ونحاول قدر الإمكان تطوير ممارساتنا، وسد الثغرات إن وجدت، لتفويت الفرصة على الغير.
* بقي أن أشير إلى أن التوعية بحقوق الإنسان ليست مسؤولية (هيئة حقوق الإنسان) وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة تنهض بها المدرسة والجامعة، والمؤسسات الدينة، والمحاضن الثقافية، والجهات الخيرية والاجتماعية، لكي نؤدي الدور بشكل تكاملي شامل.