د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ملتقى «مغردون» الذي نظمته مؤسسة مسك الخيرية «يوم الاثنين الماضي، تخيلته قافلة ترتاد مواقع الشباب وفضاءاتهم، وتحمل كل ذي لُبّ بلهفة شاسعة حتى تصل بهم إلى مساقط الغيث ،حيث تلتف الأشجار حينما ينثني الطير على أغصانها مغرداً مع بزوغ الفجر ،وحين برود صهد الشمس وشواظها، فيأتي الشباب إلى ملتقى «مغردون» طروب يطلق أمانيه المنعشة حينما تتنفس المسك في قواريره ودنانه؛ والحقيقة أنها لم تكن خيالات تترى بل حقيقة ماثلة، وحافز يُهدى لشباب الوطن من صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد محمد بن سلمان حفظه الله ،فالحكاية منذ بداية المسك وعبقه.
سبقني إلى عرض تفاصيلها كثيرون، تحدثوا عن مشاركة فريدة من وزراء ومسئولين من دول مجلس التعاون لدول الخليج، وعدد من الخبراء والمختصين في مجال الإعلام والاتصال، وسردوا وميضاً لافتاً آخر عندما شاركهم سمو ولي ولي العهد جزءاً من عهود الملتقى وجلساته وحواراته، وكان من لطائف ملتقى «مغردون» وجود المقدم النابه «داوود الشريان» ذلك المناور الذي ما شاده أحد إلا غلبه، وأشرق الملتقى بآفاق جديدة لتعزيز الجوانب الاتصالية والثقافية عند المهتمين بوسائل التواصل الاجتماعي والارتقاء بمستويات الفكر الشبابي والشهرة عطش الشباب ورونقه، فوجد الشباب في الملتقى أبواباً مفتوحة الواحد يفضي إلى الآخر لتنشق ساحاتها عن منصات ثلاث؛ هي إلهام روح المبادرة والتفكير الإبداعي لدى الشباب، واستثمار الفرص الملهمة لديهم، ومن ثم رحيق الخبرة والتجربة ممن استضافهم الملتقى من ذوي العقول والأفهام والتجارب.
وندلف إلى خصيصة أخرى للملتقى الفريد «مغردون» وهي قوانين البقاء لأولئك المغردين؛ فمن هم «المغردون»؟!!! وما هي منصاتهم؟! وهل هم جميعاً يملكون ذاكرة مذهلة تربط المعلومات القديمة بالجديدة ذات الصِّلة التي يحتاجها المغرد دون النظر إلى أهميتها؟!! أم أنهم فقط يعتبرون التغريدة المجردة روح اتصال جديدة؟!! حيث الأدمغة ليست أجهزة حاسوب تخزن فيها المعلومات في ملف ينظمه البشر فيسهل استرجاعها بضغطة زر؛ أم أن أولئك المغردين ممن هم شغوفون بتسجيل الجمل القصيرة التي يقولها العظماء لتحريك التساؤلات، وبعث الفكر ليحدد الشباب أهدافهم؟!! فالعالم اليوم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب! ومن حشود تويتر ومن خلال ذلك المد الواسع الذي وصله المغردون في الملتقى نستطيع أن نضع لكل مغرد قناة إعلامية مستقلة «وفي كل خير»، وكأني بالشاعر الأمير عبد الله الفيصل يرى الشباب وقد تجمعوا في الملتقى ليشهدوا منافع لهم:
مرحى فقد وضح الصواب
وهفا إلى المجد الشباب
عجلان ينتهب الخطا
هيمان يستدني السحاب
في روحه أمل يضيء
وفي شبيبته غلاب
وعليه فلنبني الحياة
ولا نساوم في الثواب
ولننطلق في عزمنا
مثل انطلاقات الشهاب
نعم شهدنا في ملتقى (مغردون) أحاديث الشباب الفوارة المتوثبة، ترجمها «تويتر» إلى إعلانات متواشجة، فربما هو اليوم «مالئ الدنيا وشاغل الناس» هو ذاك حينما قرر علاقة أبدية من أعماق المغردين فيما بينهم وبين مجتمعاتهم؛ فكل أصوات الشباب تمر عبر تويتر، فيشذبها ويجمعها في ضفيرة واحدة تطل من طاقة تنفتح فيهطل منها الكلام، والمهم في نظري حيث يقضي الشباب المغردون وقتا له قيمته وثمنه، فلابد من استثماره كما يجب وهنا مربط الحديث ،عندما سمعنا من يصف هذه المنصة التواصلية في حيازة بعض مرتاديها بالغابة؛ ولكن هناك حديث جميل آخر عندما نحاول أن نجعلها حديقة جميلة؛ ولكن لابد من وخز الشوك أثناء المحاولة ولا بأس «فلابد دون الشهد من إبر النحل».
لقد أسهم ملتقى (مغردون ) في خلق الأفكار والقدرات الإعلامية لدى الشباب وتطوير المحتوى في الرسائل المتنوعة، كما أن «تويتر» عندما عكس نبض الرأي العام كانت لغته مرهونة بمصير الزمان والمكان، ولكنها حتما تلزم المسئول عن قضايا الناس بالاستجابة، فأحيانا يمر المغردون على فضاءاتهم ليخبروا الناس كم هي لامعة، وأحيانا يغرف المغردون من بحيرات أعماقهم الهادئة، فيتواصلون مع الحدث الرسمي بانسجام ؛ومع القرارات الرسمية أيضا بتوافق وفخر واعتزاز «وذلكم الرباط» أما عندما يدحرج المغردون الكلمات نحو أنسجة التوبيخ «فحمداً لله الذي عافانا وابتلاهم» ولا أعني بتلك الدحرجة النقد البناء الهادف فذلكم هو التقويم الذي ننشده، وقد أوجز المنهج شاعر اليمامة عبدالله بن خميس رحمه الله في قوله:
للنقد في ذهن المثقف صورة
نفس مهذبة وفكر طيّع
ويراعة لا تستجيب لنزعتي حب
ولا بغض ولا تتشيّع
فإذا انبرت للنقد فهو هداية
أو أعرضت يوماً فذاك ترفّع
ولقد أجمع شباب ملتقى «مغردون» والمتحدثون فيه على ضرورة الالتزام بمسئولية الكلمة في مضامين التغريدات والتثبت من الواقع والواقعة، ونشر الفضيلة بأسلوب القدوة والنموذج الحي؛ ولما أن «تويتر» منصة داعمة لتطوير فكر الشباب وتغذية عروقه بما ينفع الناس ؛حيث لا مكان للنظريات والتنظير هناك، فلابد من احترام ذلك المتكأ البارد واحترام حريات الناس خلاله فلا تكفير ولا تحريض ولا عنصرية ولا خواطر جوفاء، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ما ندمتُ على سكوتي مرة لكني ندمتُ على الكلام مرارا].
وأجزم أن «تويتر» مضمار سباق أيضاً إذا دخله من لا يحسن التعامل والعمل خسر السباق مع ذاته أولاً، وخسر انتصارات شباب الوطن المتوالية التي كان «تويتر» من محفزاتها، وكان أيضاً من علامات مرور الشباب بالأمكنة والتمكين في هذه الحياة، وملتقى الشباب «مغردون» من الأحداث التفاعلية الدالة على ذلك، فقد جمع من برزوا على منصات التواصل من المسئولين مع الشباب المبدعين المهتمين بتلك الصناعة، وربما فقدنا من خلال «تويتر» الكثير من خصوصياتنا حينما يتفاعل المغردون ويملؤون الميدان «التويتري» ولكن المهم أن نكون علامة مميزة لمن أراد أن يتزكى، فشكراً لمؤسسة «مسك»
لقد كان ملتقى «مغردون» خريطة لأذهان الشباب العالقة في سماءات الوطن.